إنه بعيد مباعد، للشائع عن أئمة الحديث، فان كتبهم طافحة بالرواية عن المبتدعة غير الدعاة! ثم عقّبه السخاوي بقوله: و كذا قال شيخنا: انه بعيد، ثم حكم بعد ذلك بقوله: و على هذا لا ينبغي أن لا يروى عن مبتدع شيء يشاركه فيه غير مبتدع.
قال العراقي في الألفية:
فيه ابن حبان اتفاقا و رووا *** عن أهل بدع في الصحيح ما دعوا
و كأنّ روايتهم عن أهل البدع و الأهواء في صحاحهم مصحح لانحرافهم!!
و من هنا ذهب بعض محققيهم الى أنه لا يردّ كل مكفر ببدعة، لأن كل طائفة تدّعي أن مخالفيها مبتدعة، و قد تبالغ فتكفّرهم، فلو أخذ ذلك على الاطلاق لاستلزم تكفير جميع الطوائف! و من هنا ذهب الشافعي الى قبول شهادة أهل الأهواء - كما مرّ -.
ثم انا لم نفهم وجه قبول رواية المبتدع من دون أن يكون داعية - و هو القول المشهور عندهم - مع انهم عملا عملوا بروايتهم مطلقا، و لم يفرقوا بين الداعية و غيره، بل حتى لو كان كافرا ببدعته، إلاّ من سار على سيرة أهل البيت سلام اللّه عليهم اجمعين، فلا يعمل بروايته عملا، و ان قلّ من صرح بذلك قولا.
ثم ما المراد من الداعية؟ هل هو الاظهار و الاعلان؟ فذاك حصة كل متدين بدين و ان لم تكن له دعوة بالفعل، و ندر من لم يكن داعية في معتقده.
ثم ان الداعية لا يخلو إمّا أن يكون ديّنا ورعا أو فاسقا فاجرا، و الأول مانع له من الكذب و إن كان من الشق الثاني فهو مردود الخبر لفسقه لا لدعوته.
ثم انه قد جعل ابن الأثير في جامع الاصول: ٩٩/١-١٠٠ الحديث قسمين: متفق عليه و مختلف فيه، و عدّ لكل واحد منهما خمسة أقسام، ذكر روايات المبتدعة و اصحاب الأهواء في الحديث المختلف فيه، و قال: و هي عند اكثر أهل