إجتمع رأيي ورأي عمر في أمهات الأولاد أن لا يبعن ، ثم رأيت بعد أن يبعن. فقلت له : فرأيك ورأي عمر في الجماعة أحب إليّ من رأيك وحدك في الفرقة. فضحك علي رضي الله تعالى عنه.
واعلم أن رجوع علي رضي الله تعالى عنه يقتضي أنه يرى اشتراط انقراض العصر في تقرّر الإجماع ، والمرجّح خلافه ، وليس يعجبني أن لأمير المؤمنين شأنا يبعد اتّباعه أن يميلوا إلى دليل مرجوح ورأي مغسول ومذهب مرذول ، فلو كان عدم الاشتراط أوضح لا كوضوح شمس النهار كيف يميل هو إليه ، وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي. رواه الصحيحان. وقال رسول الله صلّى الله عليه وعلى وآله وسلّم : أنا دار الحكمة وعلي بابها رواه الترمذي. فالانقراض هو الحق.
لا يقال : إن الخلفاء الثلاثة أيضا أبواب العلم ، وقد حكم عمر بامتناع البيع. لأن غاية ما في الباب أنهما تعارضا. ثم المذهب أن أمير المؤمنين عمر أفضل ، وهو لا يقتضي أن يكون الأفضلية في العلم أيضا ، وقد ثبت أنه باب دار الحكمة فالحكمة حكمه ».
هذا كلّه بالنسبة إلى حديث « أنا دار الحكمة ».
وبالنسبة إلى معنى حديث : « أنا مدينة العلم » :
ابن طلحة الشافعي في معنى « الأنزع البطين » : « ولما اكتنفت العناية الإلهية ، وأحاطت الألطاف الربانية ، وأحدقت الرأفة الملكوتيّة برسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فجعلت قلبه مشكاة لأنوار النبوّة والرسالة ، وأنزل الله عليه الكتاب والحكمة وعلّمه ما لم يكن يعلم ، وعلي يومئذ مشمول ببركات تربيته محصول له ثمرات حنوه عليه ، فبشفقته لمع من تلك الأنوار بارقها وطلع من آفاق مشكاتها شارقها ، فاستنار قلب علي بتلك الأنوار وزكا بتلك الآثار ، وصفا من شوائب الأكدار واستعدّ بقبول ما يفيض عليه من أسرار العلوم وعلوم الأسرار ، ويحلّ فيه من مقدار الحكم وحكم الأقدار ، فتحلّى بيمن الإيمان وتزيّن بعوارف