تذكره الفقهاء المجلد ٢٠
كتاب العطايا المعجّلة
و فيه مقصدان:
مقدّمة:
العطايا جمع عطيّة، أقسامها ثلاثة؛ لأنّها إمّا منجّزة غير معلّقة بالوفاة، و إمّا مؤجّلة معلّقة بالوفاة، و الثاني الوصيّة، و الأوّل إمّا أن تكون العطيّة مطلقة تقتضي الملك المطلق الموجب لإباحة أنواع التصرّفات، و هو الهبة، و إمّا أن تكون مقيّدة غير مطلقة، و هو الوقف.
المقصد الأوّل: في الهبة و فيه مقدّمة و فصول
المقصد الأوّل: في الهبة و فيه مقدّمة و فصول(١).
أمّا المقدّمة: ففي بيان حقيقتها و تسويغها.
قد عرفت أنّ أقسام العطايا ثلاثة، و أنّ من جملتها العطيّة المنجّزة في الحياة، المقتضية تسويغ عموم التصرّفات، و هي الهبة، لكنّها إن خلت عن العوض سمّيت هبة، فإن انضمّ إليه حمل الموهوب من مكان إلى مكان للموهوب منه إعظاما له و توقيرا سمّي هديّة، و إن انضمّ إليه كون التمليك من المحتاج تقرّبا إلى اللّه تعالى و طلبا لثوابه فهو صدقة، فامتازت الهبة عن الهديّة بالنقل و التحويل من موضع إلى موضع، و منه إهداء القرابين إلى الحرم، و لهذا لا يدخل لفظ الهديّة في العقارات و ما أشبهها من الأمور الممتنع نقلها، فلا يقال: أهدى إليه دارا، و لا عقارا، و لا أرضا، و إنّما يقال:
و هبه أرضا و عقارا و دارا، و يدخل أيضا في المنقولات، فصارت بهذا
١- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فصلان». و المثبت يقتضيه ذكر ثلاثة فصول في طيّ الكتاب.
الاعتبار أعمّ من الهديّة و الصدقة، فإنّ كلّ هديّة و صدقة هبة، و لا تنعكس، و لهذا لو حلف أن لا يهب فتصدّق حنث، و بالعكس لا يحنث.
و اختلف أصحاب الشافعي في أنّه هل يعتبر في حدّ الهديّة أن يكون بين المهدي و المهدى إليه رسول و متوسّط على وجهين فيما إذا حلف أن لا يهدي إليه فوهب منه خاتما و شبهه يدا بيد، هل يحنث ؟ و المشهور عندهم: أنّه لا يعتبر(١).
مع أنّه ينتظم أن يقال لمن حضر عنده: هذه هديّتي أهديتها لك، مع انتفاء الرسول و المتوسّط فيه.
مسألة ١: و قد ورد في الكتاب العزيز و السّنّة و الأحاديث
ما يدلّ على استحباب الثلاثة و الترغيب فيها:
قال اللّه تعالى: وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها (٢) قيل:
المراد منه الهبة(٣).
و قال تعالى: وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى (٤) و قال تعالى:
وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ الْكِتابِ وَ النَّبِيِّينَ وَ آتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ (٥) و قال تعالى: إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَ الْمُصَّدِّقاتِ (٦) و هي كثيرة.
١- العزيز شرح الوجيز ٣٠٦:٦، روضة الطالبين ٤٢٧:٤.
٢- سورة النساء: ٨٦.
٣- الجامع لأحكام القرآن ٢٩٨:٥، العزيز شرح الوجيز ٣٠٦:٦.
٤- سورة المائدة: ٢.
٥- سورة البقرة: ١٧٧.
٦- سورة الحديد: ١٨.