وكأنّ رمي الكتاب ومؤلّفه لم يشف غليل ابن طاهر ومن لّف لفّه ، فزعم :
« انّ الحاكم أخرج حديث الطير من المستدرك » لمّا بلغه اعتراض الدار قطني ، فأجيب « إن حديث الطير موجود في المستدرك » (١) وقد ألّفه بعد موت الدار قطني بمدّة (٢).
وقال السبكي : « حكى شيخنا أنّ الحاكم سئل عن حديث الطير فقال :
لا يصحّ ، ولو صحّ لما كان أحد أفضل من علي بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
ثمّ قال شيخنا : وهذه الحكاية سندها صحيح ، فما باله أخرج حديث الطير في المستدرك؟! ».
قال السبكي : « وقد جوّزت أن يكون زيد في كتابه ، وألاّ يكون هو أخرجه! وبحثت عن نسخ قديمة من المستدرك ، فلم أجد ما ينشرح الصدر لعدمه ، وتذكّرت قول الدارقطني : إنّه يستدرك حديث الطير ، فغلب على ظنّي أنّه لم يوضع عليه ، ثمّ تأمّلت قول من قال : إنّه أخرجه من الكتاب ، فجوّزت أن يكون خرّجه ، ثمّ أخرجه من الكتاب ، وبقي في بعض النسخ ، فإن ثبت هذا صحّت الحكايات ويكون خرّجه في الكتاب قبل أن يظهر له بطلانه ، ثم أخرجه منه لاعتقاده عدم صحته ، كما في هذه الحكاية التي صحّح الذهبي سندها ، ولكنّه بقي في بعض النسخ ، إمّا لانتشار النسخ بالكتاب ، أو لإدخال بعض الطاعنين إيّاه فيه ، فكلّ هذا جائز ، والعلم عند الله تعالى » (٣).
فلما ذا كلّ هذه الاحتمالات والتمحّلات يا ترى؟!
ولهذا الحديث وأمثاله ممّا أخرجه الحاكم وصحّحه ، فقد كسر
__________________
(١) طبقات السبكي ٤ / ١٦٤.
(٢) سير أعلام النبلاء ١٧ / ١٧٦.
(٣) طبقات السبكي ٤ / ١٦٨ ـ ١٦٩.