و لو ملك بالقبول فإمّا أن يكون قبل القبول للميّت، و استمرار الملك مع الموت بعيد، أو للوارث، و حينئذ فالموصى له يتلقّى الملك عن الوارث، لا عن الموصي، و هو بعيد أيضا، و لأنّ الإرث يتأخّر عن الوصايا، و إذا بطلت الأقسام وجب التوقّف(١).
و الملازمة الأولى ممنوعة، و إنّما تتمّ لو كان الملك مستقرّا لازما، أمّا إذا قلنا بأنّه متزلزل فلا، و لا نسلّم كون الانتقال مع الارتداد بحسب الهبة، بل نقول: الارتداد رافع للملك من أصله، و القياس على الإرث باطل؛ لأنّ الإرث ليس بتمليك بإيجاب، و الوصيّة بخلافه.
و قد اعترضت الشافعيّة على قولهم بأنّه لو أوصى بعتق عبد معيّن بعد وفاته انتقل العبد إلى الوارث إلى أن يعتق، و لا يجعل على الخلاف.
و الفرق: أنّ الوصيّة تمليك للموصى له، فيبعد الحكم بالملك لغير من أوجب له الملك، و العتق ليس بتمليك(٢).
و أجابوا أيضا بأنّ الوصيّة بالعتق دون الرقبة، فلم يمنع من ملك الوارث، و هنا الوصيّة بالملك، فلم ينتقل ما وصّى به إلى الوارث مع استحقاقه الوصيّة به.
ثمّ اعترضوا بأن قالوا: لم لا يبقى على حكم مال الميّت ؟ كما لو كان على الميّت دين، فإنّه يكون باقيا في حكم ذمّة الميت.٦.
١- الحاوي الكبير ٢٥٢:٨ و ٢٥٣، المهذّب - للشيرازي - ٤٥٩:١، نهاية المطلب ٢٠٤:١١-٢٠٥، حلية العلماء ٧٥:٦ و ٧٦، التهذيب - للبغوي - ٩٢:٥-٩٣، البيان ١٤٩:٨ و ١٥٠، العزيز شرح الوجيز ٦٥:٧، روضة الطالبين ١٣٦:٥، المغني ٤٧١:٦-٤٧٢، الشرح الكبير ٤٧٨:٦.
٢- العزيز شرح الوجيز ٦٥:٧-٦٦.
و أجابوا بالفرق بينهما: بأنّه يجوز أن يجدّد عليه وجوب دين، و هو إذا كان حفر بئرا في حال حياته فوقع فيها إنسان بعد موته، و لا يجوز أن يتجدّد له ملك بعد موته فلم يبق املاكه.
قيل عليه: كيف يجوز أن يتعلّق الملك بشرط مستقبل!؟ و ذلك محال.
و أجابوا بأنّ هذا غير مانع، كما إذا قال لها: أنت طالق قبل موتي بشهر، فإنّه إذا مات تبيّنّا أنّه وقع الطلاق، أو لم يقع، و هذا لا يشبه القبول؛ لأنّ الموت ليس بشرط في وقوع الطلاق، و إنّما يتبيّن به الوقت الذي أوقع فيه، و لو قال: إذا متّ فأنت طالق قبله بشهر، لم يصح.
قالوا: و ينبغي أن يكون القبول هنا ليس بشرط في صحّة الملك، و إنّما يتبيّن(١) به اختياره للملك حال الموت، فتبيّن حصول الملك باختياره.
و بعد هذا كلّه فالقول بأنّ القبول كاشف عن الملك لا بأس به عندي.
و اعترض على القائل بأنّ الملك ينتقل إلى الوارث بقوله تعالى: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ (٢) شرط في ملك الوارث انتفاء الوصيّة، و الوصيّة هنا ثابتة، فلا يتحقّق الملك للوارث.
و أجيب بأنّ الملك يثبت(٣) للوارث بالموت، و المراد بالآية: من بعد وصيّة مقبولة، و لهذا فإنّ الموصى له لو لم يقبل الوصيّة كانت ملكا للوارث إجماعا، و قبل قبولها ليست مقبولة.».
١- في «ص»: «تبيّن».
٢- سورة النساء: ١١.
٣- في «ل» و الطبعة الحجريّة: «ثبت».