و جهان، و الثاني هو الملائم لكلام أكثرهم(١).
الثاني: قال: حيث بقّينا الولد على ملك الوارث فالمعتبر من الثّلث قيمة الجارية وحدها، و إذا لم نبقّ فالمعتبر من الثّلث ما كان موجودا يوم موت الموصي، فإن كانت حائلا اعتبر قيمتها وحدها، و إن كانت حاملا اعتبر قيمتها مع قيمة الحمل، و حينئذ فالنظر إلى قيمتها حاملا يوم موت الموصي عند عامّة الشافعيّة(٢).
و قال بعضهم: تعتبر قيمتها يومئذ لو كانت حاملا، و تعتبر قيمة الحمل في أوّل حال الانفصال، و إذا قوّمناهما فخرجا من الثّلث فذاك، و إلاّ فلا يقرع، و لكن تنفذ الوصيّة في القدر الذي يحتمله الثّلث منهما على نسبة واحدة(٣).
مسألة ١٦: لو أوصى بأمة لزوجها فلم يعلم حتى وضعت له بعد موت سيّدها
أولادا، فإن قبل عتقوا، و لم تكن أمّهم أمّ ولد حتى تلد منه بعد قبوله لستّة أشهر، قاله بعض الشافعيّة(١).
و أشكل عليه من وجهين:
أحدهما: أنّه اعتبر عدم العلم بالوصيّة، و لا فرق بين أن يعلم أو لا يعلم.
و الثاني: أنّه حكم بحرّيّة الأولاد و بأنّها لا تصير أمّ ولد، فإن فرّع على أنّ الملك يحصل بالموت أو على قول التوقّف، فلم اعتبر مضيّ الأشهر في مصير الجارية أمّ ولد؟ و إن فرّع على الحصول بالقبول، فلم حكم بحرّيّة
١- قاله المزني في مختصره: ١٤٤، و عنه في العزيز شرح الوجيز ٦٩:٧، و روضة الطالبين ١٤٤:٥.
الأولاد في الحال ؟
أمّا الأوّل فقد فرّق بعضهم بين العلم و عدمه؛ لأنّ الشافعي حكم فيما إذا وطئ أمة الغير على ظنّ أنّها زوجته الحرّة بحرّيّة الولد، و لو ظنّ أنّها زوجته الرقيقة، يكون الولد رقيقا، فاختلف الحكم باعتقاده.
و الظاهر أنّه لا فرق في ثبوت أمّيّة الولد بين أن يكون عالما أو لا يكون، حتى لو وطئ أمته على ظنّ أنّها لغيره، أو أنّها حرّة و أحبلها، تثبت أمّيّة الولد، فإذا قوله: «و لم يعلم» كأنّه خرج مخرج الغالب، فإنّ الغالب أنّ الوصيّة لا تبقى المدّة الطويلة معلّقة غير مردودة و لا مقبولة، إلاّ إذا لم يعلم الموصى له بالوصيّة لغيبة أو نحوها.
و أمّا الثاني فقد قيل: إنّه تخليط من المزني، فقوله: «عتقوا» تفريع على أنّ الملك يحصل بالموت، و قوله: «و لا تصير أمّ ولد له» تفريع على أنّه يحصل بالقبول(١).
و قال أكثرهم: بل هو تفريع على قول التوقّف، و يتبيّن حصول الملك بالموت، و أراد بالقبول في قوله: «بعد قبوله» الموت، سمّاه قبولا؛ لأنّه وقت القبول(٢).
مسألة ١٧: لو أوصى بجاريته لزوجها و مات الموصى له قبل القبول و الردّ،
فقد تقدّم أنّ ورثته يقومون مقامه في الردّ و القبول.
فإن قبلوا فعلى الخلاف في أنّ الملك بم يحصل ؟ إن قلنا بالموت، أو قلنا: هو موقوف، فقبولهم كقبول الموصى له في عتق الأولاد بالملك، و في انعقادهم على الحرّيّة و مصير الجارية أمّ ولد، و في بقائهم مماليك
١- العزيز شرح الوجيز ٦٩:٧-٧٠، روضة الطالبين ١٤٤:٥-١٤٥.
٢- العزيز شرح الوجيز ٧٠:٧، روضة الطالبين ١٤٥:٥.
لورثة الموصي على اختلاف الأحوال المذكورة في المسألة بلا فرق، إلاّ أنّهم إذا عتقوا بقبول الموصى له ورثوه، و إذا عتقوا بقبول الورثة لم يرثوا.
و إن قلنا: يحصل الملك بالقبول، فإن كان بين الوارث و الأولاد قرابة تقتضي العتق بأن كان وارث الموصى له أباه، فينعتقون عليه؛ لأنّهم حفدته، و إلاّ فللشافعيّة و جهان(١).
و إذا لم يحصل العتق فهل تقضى ديون الموصى له منها، أم تسلّم للورثة ؟ فيه وجهان(٢).
مسألة ١٨: إذا أوصى الإنسان لغيره بأبيه أو بابنه،
لم يجب عليه القبول، بل كان للموصى له أن يردّ، كما أنّ له أن يقبل؛ لأنّ قبول الوصيّة استجلاب ملك الأب، و هو غير لازم له، كما لو بذل بيعه فإنّه لا يجب عليه شراؤه إجماعا، فكذا لو أوصي له به، و به قال الشافعي(٣).
و قال مالك: إنّ الموصى له يجب عليه أن يقبل الوصيّة؛ لأنّه يحصل لأبيه الحرّيّة من غير التزام مال، فلزمه ذلك لانتفاء الضرر عنه(٤).
و هو ممنوع؛ فإنّ المنّة ضرر، و يلزمه نفقته و كسوته، و هو ضرر أيضا.
و للشافعيّة وجه: أنّه يمتنع الردّ إذا فرّعنا على أنّ الملك يحصل بالموت؛ لأنّه يعتق عليه(٥).
١- العزيز شرح الوجيز ٧٠:٧، روضة الطالبين ١٤٥:٥.
٢- العزيز شرح الوجيز ٧١:٧، روضة الطالبين ١٤٥:٥.
٣- التهذيب - للبغوي - ٩٥:٥، البيان ٣٢٢:٨-٣٢٣، العزيز شرح الوجيز ٧: ٧١، روضة الطالبين ١٣٩:٥، المغني ٤٥٤:٦.
٤- التهذيب - للبغوي - ٩٥:٥، العزيز شرح الوجيز ٧١:٧.
٥- العزيز شرح الوجيز ٧١:٧، روضة الطالبين ١٣٩:٥.