فإن خرج من ثلثه نفذ عتقه، و إن لم يخرج من ثلثه فأجاز الورثة ذلك عتق، و إن لم يجيزوا جاز منه ما خرج من الثّلث، و لا يرث عند الشافعي؛ لأنّا لو ورّثناه لكان عتقه وصيّة للوارث، و الوصيّة للوارث لا تنفذ عندهم(١) ، و إذا لم يحصل عتقه لم يرث، فأثبتنا العتق و نفينا الميراث؛ لأنّ ثبوت الميراث يؤدّي إلى بطلان العتق من حيث إنّ الوصيّة به تكون وصيّة للوارث، و هي عندهم باطلة، و إذا بطل العتق بطل الميراث أيضا، فثبوت الميراث يؤدّي إلى نفيه، و كلّ ما كان ثبوته يؤدّي إلى نفيه كان محالا.
و يحتمل أن ينفذ عتقه من الأصل - و قوّاه الشيخ(٢) رحمه اللّه، و هو قول بعض الشافعيّة(٣) - لأنّه إنّما يعتبر من الثّلث ما يخرجه من ملكه، و هنا لم يخرج من ملكه شيئا، و إنّما قبل وصيّته و لم يستقر ملكه عليه، فيكون عتقه مبطلا لملكه، و لا يخرج في مقابلة ذلك شيء من ماله، فعلى هذا يرث؛ لأنّه حين وفاته حرّ.
مسألة ٢٢: إذا ملك المريض من ينعتق عليه بغير عوض،
عتق و ورث، و به قال مالك و بعض الشافعيّة، و حكي مذهبا للشافعي، و به قال أحمد، و لا خلاف بين هؤلاء في أنّه إذا ملكه بالميراث عتق و ورث(٤).
و قال أبو حنيفة: إن حمله الثّلث عتق و ورث، و إلاّ سعى فيما بقي عليه و لم يرث، و لم يفرّق بين أن يملك بعوض أو بغير عوض(٥).
و قال أبو يوسف و محمّد: يحسب ميراثهم من قيمتهم، فإن فضل
١- العزيز شرح الوجيز ٧٢:٧، روضة الطالبين ١٤٠:٥.
٢- المبسوط - للطوسي - ٣٧:٤.
٣- العزيز شرح الوجيز ٧٢:٧، روضة الطالبين ١٤٠:٥.
٤- المغني ٤٥١:٦ و ٥٢٩-٥٣٠.
٥- المغني ٤٥١:٦ و ٥٣٠.
شيء أخذوه، و إن فضل عليهم شيء سعوا فيه(١).
و الوجه: الأوّل؛ لأنّ المريض لم يصنع فيه شيئا من ماله، و إنّما تعاطى سبب ملكه على وجه لم يستقر، و زال بغير إزالته، فلم يحسب عليه من ثلثه، كما لو اتّهب شيئا فرجع الواهب فيه، أو اشترى ما فيه غبطة بشرط خيار البائع ففسخ، أو تزوّجت المرأة و طلّقت قبل الدخول، و إذا لم تكن وصيّة تحتسب عليه من الثّلث لم يمنع الميراث، كما لو ملك حال صحّته.
إذا عرفت هذا، فكلّ موضع يدخل في ملكه بغير عوض، بل بإرث أو هبة يعتق من الأصل، و هو الأظهر عند الشافعيّة(٢).
و بعضهم(٣) فرّق بين أن يرثه المريض و أن يقبل الوصيّة به، فإنّ(٤) الأوّل يعتق عليه من الأصل، و الثاني من الثّلث؛ لأنّه إذا قبل الوصيّة فقد استجلب ملكه، و إذا ورثه فقد دخل في ملكه بغير اختياره، و عتق بغير اختياره، ألا ترى أنّه لو(٥) ورث بعضه لم يقوّم عليه الباقي، و إذا أوصى له ببعضه فقبله عتق عليه و قوّم عليه الباقي.
و لو قبل المديون في مرض موته الوصيّة له بمن ينعتق عليه، احتمل أن يعتق من الأصل؛ لأنّه لم يتلف بذلك مالا لنفسه، و هو قول بعض الشافعيّة الذين قالوا بعتقه من الأصل(٦) ، و أن يباع في الدّين إن قلنا: يعتق٧.
١- المغني ٤٥١:٦ و ٥٣٠.
٢- راجع: العزيز شرح الوجيز ١٣٢:٧، و روضة الطالبين ١٤٠:٥ و ١٨٦.
٣- لم نتحقّقه.
٤- في «ص» و الطبعة الحجريّة: «في أنّ».
٥- في النّسخ الخطّيّة: «إذا» بدل «لو».
٦- العزيز شرح الوجيز ١٣٢:٧، روضة الطالبين ١٨٦:٥-١٨٧.
من الثّلث؛ لأنّه حينئذ يكون وصيّة، و الدّين مقدّم.
لكن الأوّل أحقّ؛ لأنّ العتق قهريّ، و هذا الوجه بعيد و إن صار إليه بعض الشافعيّة(١).
و لهم وجه ثالث أبعد من هذا؛ بناء على العتق من الثّلث؛ لأنّه لا يصحّ قبوله، لأنّه يؤدّي إلى بيع أبيه عليه(٢).
و لو اشترى المريض من يعتق عليه، فإن خرج من ثلثه عتق عليه، و إن لم يخرج من ثلثه(٣) ، فإن أجاز الورثة عتق، و إن لم يجيزوا عتق منه ما يخرج من الثّلث، و انتقل الباقي إلى ورثته، فإن كان فيهم من يعتق عليه عتق عليه نصيبه منه و يرقّ الباقي، قاله الشافعيّة، و لا يرث في هذه الأحوال عندهم(٤) ، و حكاه بعضهم عن الشافعي و مالك(٥).
و حكي عن الشافعي أيضا أنّه لا فرق بين أن يملك بعوض أو غيره، و أنّه إن خرج من الثّلث عتق، و إلاّ عتق منه بقدر الثّلث، و لا يرث في الحالين؛ لأنّه لو ورث لكان إعتاقه وصيّة لوارث، فيبطل عتقه، و يبطل ميراثه؛ لبطلان عتقه، فيؤدّي توريثه إلى إبطال توريثه، فصحّحنا عتقه و لم نورّثه(٦).
و مذهب أبي حنيفة و أصحابه في هذا كمذهبهم إذا ملكهم(٧) بغير».
١- العزيز شرح الوجيز ١٣٢:٧، روضة الطالبين ١٨٧:٥.
٢- لم نتحقّقه في مظانّه.
٣- في النّسخ الخطّيّة: «الثّلث» بدل «ثلثه».
٤- بحر المذهب ٧٥:١٤-٧٦.
٥- المغني ٤٥٢:٦.
٦- المغني ٤٥٢:٦.
٧- كذا قوله: «ملكهم» في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة، و الظاهر: «ملكه».