إنّما هو طهارة ما ثبت نجاسته ونجاسة ما يلاقيه مع الرطوبة بالاجتهاد السابق ، ونجاسة ما ثبت طهارته وملاقيه بالرطوبة به ، وحلّيّة ما ثبت حرمته وحرمة ما ثبت حلّيّته به ، ومن الواضح أنّ بعد الاجتهاد اللاحق لا بدّ له من معاملة النجاسة مع ما ثبت نجاسته به وطهارته بالاجتهاد السابق ، ومعاملة الحرمة مع ما ثبت حرمته به مع حلّيّته بالاجتهاد السابق ، وهكذا ، ويلزمه التناقض والتضادّ بين الحكمين ، وارتفاع ما ثبت الأوّل ، فلا يجري الاستصحاب المدّعى.
قلت : هذا فاسد ، فإنّ الأعيان الخارجيّة وإن اتّصفت في الظاهر بهذه الأوصاف والأحكام ، إلّا أنّ اتّصافها بها عند التحقيق ليس بذواتها ، بل باعتبار الأفعال المتعلّقة بها ، كما تقرّر في محلّه ، ففي الحقيقة موضوعاتها ومعروضاتها هي الأفعال ، فيتّجه ما قلناه ، كما قاله الخصم أيضا ، فيتمّ جريان الاستصحاب هنا.
وتوضيح هذا المطلب على ما يقتضيه التحقيق : أنّ الأعيان المفروضة المحكوم عليها بما ذكر بعد الاجتهاد السابق ، إمّا أن يكون فعل المكلّف بالإضافة إليها ملحوظا ومتصوّرا ، أو يكون غير ملحوظ ولا متصوّر.
فعلى الثاني : كما لو فرض نجاسة شيء كالماء القليل الملاقي للنجاسة أو طهارته بمقتضى الاجتهاد الأوّل ، أو فرض حرمة شيء كأكل العصير الزبيبي أو حلّيّته بمقتضى هذا الاجتهاد ، وفرض أيضا عدم احتياج المقلّد إلى استعمال هذا الماء وأكل هذا العصير أصلا ، أو فرض عدمهما منه إلى زمان الرجوع بالاجتهاد اللاحق والاطّلاع عليه ، فحينئذ لا شكّ في خروجه عن محلّ البحث ؛ إذ الرجوع هنا إنّما هو قبل العمل بمقتضى السابق ، وقد سبق أنّه لا بدّ حينئذ من الحكم بفساد مقتضاه مطلقا.
وعلى الأوّل : كما لو فرض في المفروض احتياج المقلّد إلى الأكل والاستعمال ، فلا يخلو إمّا أن يكون الحكم المتعلّق بهما بمقتضى الاجتهاد السابق هو الحلّ وجواز الاستعمال ، وإمّا الحرمة وعدم الجواز.
فعلى الثاني : فإن ترك المقلّد الأكل والاستعمال إلى زمان الرجوع بالاجتهاد