وممّا ذكرنا ظهر حال سائر الأحكام الوضعيّة وسائر الموارد والوقائع ؛ فافهم.
فإن قيل : هذا إنّما يتمّ على القول بالتصويب ، وأمّا على القول بالتخطئة ـ كما عليه قاطبة الشيعة ومعظم العامّة (١) ـ فلا ؛ إذ صحّة الأفعال مطلقا في العبادات والمعاملات على مذهب المخطّئة إنّما تعتبر بالنظر إلى الأحكام الواقعيّة ، دون الظاهريّة ، ويتفرّع عليه في المعاملات بطلان المعاملة باختلال بعض الشرائط في نفس الأمر وإن ظنّ حصولها حال المعاملة ، وفي العبادات وجوب الإعادة ؛ إذا انكشف فساد الظنّ الذي هو مبنى الحكم الظاهري ، والقضاء كذلك إن كان المأمور به ممّا يجب استدراكه شرعا ، ولازم ذلك بطلان مقتضى الاجتهاد السابق من رأس بعد الرجوع والاطّلاع عليه فيما أدّى الاجتهاد اللاحق إلى خلاف مقتضى السابق ، وعليه فلا معنى حينئذ للتمسّك بالاستصحاب وإجرائه هنا ، كما لا يخفى.
قلنا : هذا ـ كما ترى ـ بيّن الفساد ، فإنّ ما ذكر من مذهب المخطّئة كلمة حقّ اريد بها إثبات باطل ، من دعوى استلزامه بطلان مقتضى الاجتهاد السابق رأسا وانكشافه كذلك بعد الاجتهاد اللاحق.
كيف ؟ وهذه الدعوى أوّل الكلام ، بل عين المدّعى ، غاية ما في الباب تغاير الحكم المتعلّق بموضوعه بعد الاجتهاد اللاحق ، مع الحكم المتعلّق بموضوع قبله وبعد الاجتهاد السابق ، وتبدّل هذا الحكم بذاك وتغيّر التكليف في الزمانين والحالين ، وأمّا بطلان الحكم الثابت سابقا بالإضافة إلى موضوعه بسبب ذاك الحكم ، فلا دلالة له عليه بوجه ، ففي الحقيقة هنا انتقال من ظنّ وظاهر وحكم ظاهري إلى آخر ، وسقوط بدل شرعيّ من الحكم الواقعي وقيام بدل شرعيّ آخر مقامه ، وذلك غير عزيز في الشرعيّات والأحكام الظاهريّة ، بل الواقعيّة أيضا ، كما في القصر والإتمام في السفر والحضر ، والصوم والإفطار في حال الصحّة والمرض المضرّ به ، وغير ذلك.
__________________
(١) انظر من الخاصّة : معالم الدين ، ص ٢٣٦ ؛ تهذيب الوصول إلى علم الاصول ، ص ٢٨٧ ؛ ومن العامّة : الإحكام في اصول الأحكام ، ج ٤ ، ص ٤٠٩.