والمفروض نفيهما في الشريعة بحكم هذه العمومات.
وفيه أيضا ما لا يخفى :
أمّا أوّلا : فلأنّا لا نمنع لزوم العسر والحرج أصلا ، كيف ؟ والرجوع حينئذ إلى فتوى المفتي الحيّ ليس بأصعب من رجوع من كان ابتداء تقليده للمفتي الحيّ إليه بالإضافة إلى ما يجب عليه الرجوع من الأحكام والمسائل ، ولم يقل أحد بلزوم الحرج والعسر حينئذ ، فليكن ما نحن فيه أيضا كذلك.
فإن قيل : عدم كون هذا الرجوع إلى فتوى أصعب من ذاك وإن كان مسلّما بالإضافة إلى المسائل التي لا خلاف بين هذين المفتيين في حكمها ، إلّا أنّه بالإضافة إلى المسائل التي يكون الحيّ في حكمها مخالفا للميّت ، أصعب من ذاك جدّا ؛ لفقد الحرج وعدم لزوم المحذور المذكور في التقليد الابتدائي أصلا ، بخلاف ما نحن فيه ؛ إذ على تقدير الرجوع حينئذ لا بدّ من الحكم بفساد ما بنى على صحّته وبصحّة ما بنى على فساده من العبادة والإيقاع والمعاملة ، ولا بدّ أيضا من الحكم بنجاسة ما بنى على طهارته وبطهارة ما بنى على نجاسته ، والحكم بعدم انتقال ما بنى على انتقاله ، وبانتقال ما بنى على عدمه ، إلى غير ذلك ممّا لا يخفى على الخبير والبصير. وهل هذا إلّا كونه أصعب من ذاك ، وكونه حرجا عظيما وعسرا شديدا ؟
قلنا : هذا كما ترى واضح البطلان ، فإنّه إن كان المراد أنّ بعد الرجوع إلى فتوى الحيّ وبناء العمل على قوله ، لا بدّ من الحكم بما ذكر بالإضافة إلى مستقبل زمانه والمتأخّر عن الرجوع ، فيحكم بعد ذلك بالإضافة إلى الوقائع الواردة عليه والأفعال الصادرة عنه حينئذ خاصّة بفساد ما كان قبل ذلك قد بنى على صحّته ، وبصحّة ما كان قبله قد بنى على فساده ، وبنجاسة ما بنى قبله على طهارته ، وطهارة ما بنى قبله على نجاسته ، وهكذا ... فهو مسلّم وصحيح ، ولكنّه كما ترى لا يلزم منه حرج ولا عسر ، ولا كونه أصعب من ذاك ، بل هو مثله في عدم لزوم الحرج والعسر والصعوبة.
وإن كان المراد أنّ بعد الرجوع لا بدّ من الحكم بما ذكر بالإضافة إلى الزمان الماضي