ثالثها : نكاح المشتبهة بالمحرّم ، ولبس أحد الثوبين المشتبهين في الصلاة مع وجود متيقّن الطهارة ، واستعمال أحد الإناءين المشتبهين ونحو ذلك حرام ، وليس ذلك إلّا لوجوب اجتناب المحرّم والنجس وتوقّف اجتنابهما على اجتناب الآخر منها (١) ، وإذا حرّم الشيء من جهة أنّ تركه وسيلة للواجب ، كان تركه موصوفا بالوجوب (٢) من تلك الجهة.
وهذه الوجوه وإن كان يمكن الخدش فيها (٣) إلّا أنّ المسألة ظنّيّة ، لا يبعد الاكتفاء فيها بهذا القدر ، فالظاهر الوجوب.
احتجّ أصحاب القول الثاني بوجوه :
الأوّل : لو وجبت للزم تعقّل الموجب له ؛ ضرورة أنّ الإيجاب خطاب اقتضاء لا يمكن بدون تعقّل متعلّقه ، لكنّ التالي باطل ؛ لانفكاكه عن تعقّل الموجب فضلا عن وجوبه.
الجواب : منع الملازمة ، وإنّما يجب تعقّل الموجب فيما أوجبه أصالة لا تبعا كما في دليل الإشارة والإيماء ، ولو سلّمت فهو هنا حاصل ؛ لأنّ الموجب هو الله تعالى ، و﴿ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ ﴾(٤) .
وفي هذا الأخير نظر ؛ لأنّ في المقدّمة الغرض نفي الاستلزام (٥) لذات الأمر مع ثبوته في الوجوب ، لا نفي الوقوع ، وقد ثبت عدم الاستلزام (٦) ؛ لتحقّق الانفكاك ، واتّفاق
__________________
(١) ألف وب : ـ منها.
(٢) حاشية الأصل : « الشرعي ، بمعنى أنّه يجب من الشارع إيجابه ، وفيه منع ؛ لأنّه إنّما يجب الإيجاب إذا علم أن لا يحصل ذلك الترك ، وأمّا إذا علم أنّ بدون الإيجاب يحصل ذلك الترك فلا نسلّم وجوب إيجابه بمعنى تعلّق الخطاب به ، والبحث ليس إلّا فيه غاية الأمر أنّه قد يوجبه [ ؟ ] الصور المعروضة ، ولم ينقل أنّه يجب عدم الإيجاب ، لا يقال : فالإيجاب عبث. قلت : البحث فيه لا في السوالب من وجوبه ، ولا نسلّم أنّ الشارع [ ... ] بلحاظ تلك الصور فتدبّر » .
(٣) ألف : فيها الخدش.
(٤) سبأ (٣٤) : ٣.
(٥) ألف : + في المقدّمة.
(٦) ب : ـ « لذات الأمر مع ثبوته في الوجوب ، لا نفي الوقوع ، وقد ثبت عدم الاستلزام » .