احتجّ أصحاب القول الثالث أمّا على عدم وجوب غير السبب ، فبأصالة عدم تعلّق الخطاب به ، وبالوجوه المذكورة ، وأمّا على وجوب السبب ، فبوجوه :
الأوّل : الإجماع ، نقله جماعة منهم الآمدي. (١)
الثاني : التوصّل إلى الواجب واجب إجماعا ، وليس بالشرط لما ذكر ، فتعيّن انحصار الوجوب في الأسباب.
الجواب عنهما : منع الإجماع ، كيف والخلاف مشهور ، وفي كلام ابن الحاجب إشارة إلى هذا المنع.
الثالث ـ وهو العمدة ـ : أنّ التكليف يجب أن يكون لمتعلّق القدرة ، والقدرة إنّما تتعلّق بمباشرة الأسباب ، فهي إذا متعلّقة التكليف والخطاب ، وإن تعلّق ظاهرا بالمسبّبات ، لكنّه في الحقيقة مصروف إلى الأسباب ؛ لأنّها متعلّقة القدرة ، وهذا بخلاف الشروط ، فإنّه يبقى للقدرة بعدها تعلّق بنفس الفعل ، فيصحّ انفكاك وجوبه عن وجوبها.
لا يقال : الفعل المكلّف به (٢) حادث ، فله علّة حادثة تامّة تقارنه ؛ لاستحالة تخلّف المعلول عن علّته بالزمان ، فإذا أراد المكلّف فعلا فلا بدّ من إيجاد الجزء الأخير لعلّته (٣) التامّة ، فله علّة حادثة ، وينقل الكلام إليه ، ويلزم عدم التناهي وهو ملزم عدم تحقّق ما يتّصف بالوجوب والتكليف بما لا يتناهى ، وهما محالان ، وأيضا لا يبقى لقضيّة ما لا يتمّ الواجب إلّا به موضوع محصّل ؛ لأنّ السبب نفس الواجب الذي تعلّق به الخطاب أصالة لا مقدّمته (٤) وغيره من المقدّمات غير واجب.
لأنّا نقول : ما ذكره أوّلا ليس نقضا على وجوب السبب وحده ، بل على إمكان
__________________
(١) انظر : الإحكام للآمدي ، ج ١ ، ص ١١١.
(٢) الأصل : ـ به.
(٣) ألف وب : للعلّة.
(٤) ألف : « حقيقة لا أصالة في مقدّمته » بدل « أصالة لا مقدّمته » .