التكليف بالمسبّب ، ضرورة أنّ القدرة عليه إنّما تتعلّق بالذات بتحصيل أسبابه ، سواء وصفناها بالوجوب أم لا ، وننقل الكلام إلى سبب المسبّب وهكذا ، فيلزم من التكليف بالسبب القدرة على ما لا يتناهى ، فظهر أنّ هذه شبهة يتمسّك بها في نفي التكليف ، أو في نفي اختيار العبد ، لا في نفي وجوب السبب ، وكلّ ما اجيب عنها هناك ، فهو كاف في ما نحن فيه ، لكنّا نقول هنا : لا يلزم الإتيان بما لا يتناهى ؛ لانتهائه إلى الإرادة ، وكيف يتحقّق ما لا يتناهى بين حاصرين وهما الإرادة ووجوب الفعل.
و[ أمّا ] ما ذكره ثانيا فمناقشة في العبارة بعد ظهور المراد ؛ فإنّ القائل بوجوب الأسباب يجعل القول بكونها من باب ما لا يتمّ الواجب إلّا به قولا ظاهريّا مبنيّا على ما يتعارفه الجمهور من وصف المسبّبات بالوجوب.
والتحقيق عنده أنّ الموصوف بالوجوب ليس إلّا نفس السبب ، وهذا كما أنّ الخطاب بحسب الظاهر مصروف إليه ، وهو في الحقيقة مصروف إلى السبب.
ثمّ له أن يقول : إنّ للعبد فعلين على رأي أكثر المعتزلة : مباشريّا وتوليديّا ، والأوّل مقدّمة الثاني.
وقولنا : إنّ الخطاب في الحقيقة مصروف إلى الأوّل ، فيه نوع تساهل ، والغرض باعتبار كون متعلّقه مقدورا إنّما يتعلّق بالذات بالأوّل ، وتعلّق القدرة بالثاني غير تعلّقها بالأوّل.
والسبب (١) والمسبّب أمران يتعلّق بهما الخطاب في الجملة ، ويوصفان بالوجوب ، فليتأمّل.
[ احتجاج ابن الحاجب على القول الرابع : ]
احتجّ ابن الحاجب على نفي وجوب ما عدا الشرط الشرعي بما مرّ ، وعلى وجوبه بأنّه لو لم يجب لم يكن شرطا ، (٢) والتالي ظاهر البطلان ، فالمقدّم مثله.
__________________
(١) ألف : فالسبب.
(٢) انظر : الإحكام للآمدي ، ج ١ ، ص ١١٢.