ولنذكر ممّا يدلّ على ذلك وجوها اثني عشر :
أوّلها : ما هو معلوم من كثرة تناقضهم وشدّة اختلافهم ، مع دعوى كلّ واحد منهم كمال العقل.
وثانيها : أنّهم لم يقدروا أن يعرفوا حقيقة العقل حتّى اختلفوا فيها غاية الاختلاف.
وثالثها : ما هو معلوم من اختلاط الأفكار وفسادها ، واشتباه المقدّمات العقليّة بالجهليّة ، فلا يعلم المفكّر أنّ ما وقع في قلبه من العقل ، أو من وساوس الشيطان.
ورابعها : أنّ أكثر المشهورين بالعقل الذين يرجع الناس إلى كتبهم لم يحصّلوا اعتقادا ، ولم يهتدوا إلى الإيمان ، بل بقوا على الكفر والضلال ، فكيف يجوز حسن الظنّ بهم وسلوك طريقتهم.
وخامسها : أنّ المقدّمات العقليّة الصحيحة النافعة في الدين والدنيا ، كلّها قد صارت نقليّة مرويّة منصوصة عن أهل العصمة مستدلّا عليها في كلامهم بما لا مزيد عليه ، ولا يتطرّق احتمال الخطأ إليه.
وسادسها : ما هو معلوم من أنّ العقل الصحيح الكامل الذي لا يعتريه جهل ولا فساد مخصوص بأهل العصمة ، فمن رجع إلى كلامهم فقد تمسّك بالعقل والنقل.
وسابعها : جميع ما يدلّ على صحّة النبوّة والإمامة ووجوب طاعة النبيّ صلىاللهعليهوآله والإمام عليهالسلام.
وثامنها : أنّه لو كان العقل كافيا ، لكان بعث النبيّ صلىاللهعليهوآله ونصب الإمام عبثا ، ولما وجب اتّباعهما على جميع الرعيّة ، ولجاز مخالفة الناس لاعتقاد النبيّ والإمام في الاصول ، فلا يجوز أن يكون الاعتقادات حقّا ولا باطلا ولا صحّة خلاف اعتقاد المعصوم وبطلان اعتقاده ؛ فتعيّن العكس.
وتاسعها : أنّه يلزم إفحام الأنبياء إذا قال لهم الإنسان : إنّي قد حصّلت ما يجب عليّ من الاعتقاد والاصول بالعقل ، فلا يجب عليّ اتّباع أحد في شيء من ذلك ، كما أجاب