أقول : والأحاديث في ذلك كثيرة جدّا ، تقدّم بعضها ، ويأتي جملة اخرى منها إن شاء الله.
فصل
قد عرفت سابقا أنّ الإجماع الذي هو أقوى الأدلّة عندهم ، وأوثق الحجج بزعمهم ، لا يعتبر ولا يصحّ الاحتجاج به إلّا مع العلم بدخول المعصوم فيه ، فلو اتّفقت عقول العقلاء كافّة ، وأجمعت جميع العلماء قاطبة ، بل جميع أهل الدنيا من العامّة والخاصّة ، المتقدّمين والمتأخّرين ، مع مخالفة المعصوم لهم ، أو من غير أن يعلم دخول المعصوم في جملة أقوالهم ، لم يكن ذلك دليلا ، ولم يجز اتّباعه ولا العمل به ؛ لأنّ المعصوم عليهالسلام رئيس الامّة ، وهو الحجّة عليهم ، والحقّ منحصر في قوله كما تقتضيه أدلّة الإمامة ؛ فكيف يجوز أن يعتمد الإنسان على مجرّد عقله مع كثرة الشبهات والشكوك ، وتناقض الآراء والأفكار.
وما تقدّم من الوجوه العقليّة المطابقة للنصوص النقليّة ، فعليك بالرجوع في الاصول والفروع إلى كلام أهل العصمة ، والأدلّة والبراهين المنقولة عنهم ، والمقدّمات العقليّة والنقليّة المسموعة منهم.
وإيّاك والاغترار بما ينقل من الحكماء الذين يعتمدون على مجرّد الآراء ، ولا يلتفتون إلى كلام أئمّة الهدى ، ولا إلى كلام الله وكلام الأنبياء ، وإيّاك ثمّ إيّاك من الاغترار بما يدّعيه الصوفيّة من الاستغناء عن العلم والتعلّم بالكشف والرياضة ، فإنّ بطلان هذه الدعوى أظهر وفسادها أوضح ممّا تقدّم ، والمفاسد التي تترتّب عليها أكثر من أن تحصى ، وقد تقدّم بعضها.
والعجب أنّ بعض المتشرّعة منهم قد قسّم العلم إلى قسمين : تحقيقي وتقليدي ، وذكر أنّ الأوّل هو ما يحصل من الله بطريق الكشف من غير واسطة ، والثاني ما يحصل من تقليد المعصوم. وقد صرّح هذا القائل في مواضع بأنّ الأوّل غير مختصّ بأهل