في تحقّق ما ذكره ، مع أنّ الروايات عنوانها الوقوف عند الشبهة وتركها وما يقرب من ذلك.
فإن قلت : قد عنون بالاحتياط في قوله : « احتط لدينك » (١) وأضرابه ، وهو يرشد إلى اعتبار أمر آخر غير نفس الترك فيما هو المطلوب من المكلّف في موارد اشتباه الحكم ، فلا ينفعك ما ذكرته من العناوين وما استدللت عليه من الوجه.
قلت : المراد بالاحتياط فيما ذكر هو نفس الترك ، لا أنّه أمر يتحقّق بالترك وأمر زائد ، ويرشدك إلى ما ذكرت ـ وإن كان المصطلح من الاحتياط غيره ـ أنّ العلماء في تلك الموارد يأمرون المكلّف بترك الفعل ، ويقولون : لا تشربنّ الشيء الفلاني ، ويتركه هو ، ويحكم بامتثاله ، ويستحقّ الثواب في صورة المصادفة جزما ، مضافا إلى أنّ المصلحة الكلّيّة أوّلا في المناهي إنّما هو في أصل عدم فعلها ، أو أنّ المفسدة في نفس فعلها ، فالمطلوب في الحقيقة ليس إلّا نفس ترك المشتبه ، وفيه المصلحة حتّى المصلحة الداعية إلى التكليف الاستحبابي بالترك ، كما لا يخفى على من تدبّر.
والحاصل أنّ المراد من الاحتياط أيضا نفس ترك المشتبه إلى المكلّف ، ولم يلاحظ فيه أمر زائد عليه ، ويرشد إليه أيضا ذكره بعد الأمر بالترك أو العكس أيضا.
وإطلاق الاحتياط على هذا المعنى في الروايات كثير جدّا : « خذ الحائطة لدينك » (٢) ، « أحرى لك أن تحتاط ، إنّا نحتاط » ، (٣) وقوله : « لا يسعكم إلّا الكفّ والاحتياط » (٤) ، إلى غير ذلك ، فلاحظ.
وملخّص المطلب أنّ الثابت رجحانه بأخبار الاحتياط الدالّة على استحبابه هو
__________________
(١) راجع : الأمالي للطوسي ، ص ١١٠ ، ح ١٦٨ ؛ وسائل الشيعة ، ج ٢٧ ، ص ١٦٧ ، ٣٣٥٠٩.
(٢) راجع : تهذيب الأحكام ، ج ٢ ، ص ٢٥٩ ، ح ١٠٣١ ؛ الاستبصار ، ج ١ ، ص ٢٦٤ ، ح ٩٥٢ ؛ عوالي اللآلي ، ج ١ ، ص ٣٩٥ ح ٤٢ ؛ بحار الأنوار ، ج ٢ ، ص ٢٥٩ ؛ ح ٩.
(٣) راجع : جامع أحاديث الشيعة للسيّد البروجردي ، ج ١ ، ص ٣٣٨.
(٤) راجع : الكافي ، ج ١ ، ص ٥٠ ، ح ١٠ ؛ المحاسن ، ج ١ ، ص ٢١٦ ، ح ١٠٤ ؛ وسائل الشيعة ، ج ٢٧ ، ص ٢٥ ، ح ٣٣١١٣.