الثانية (١) : قد وقع اختلاف عظيم في هذا العلم بحيث ما سلم منه مسألة حتّى كاد أن يزول من كثرته عن العلميّة.
وهذا الاختلاف الشديد وتدوينه في الكتب :
إمّا من جهة أنّ المسألة محلّ خلاف وموقعه ، لاختلاف أدلّتها وحصول الترجيح لبعض في بعض صورها ، ولبعض آخر في بعض آخر ، وهذا هو الخلاف الحقيقي الذي يضطرب بسببه المسألة ، ولا يحصل معه الاتّفاق ، ولا ينعقد مع وجوده الإجماع.
وإمّا من جهة أنّه قد يذكر (٢) إظهارا لبشاعته (٣) وفضاحته ، وتعرّضا لردّه وإبطاله وإن لم يكن في الحقيقة خلافا يعتدّ به ، أو أنّه قد يذكر ويستكثر منه تنبيها للغير ، أو إظهارا للفضيلة والإحاطة بالمسألة.
وإمّا من جهة المعاندة مع القائل ، كما في بعض المسائل عنادا للأشاعرة أو غيرهم وإن كان قولهم حقّا.
أو إنّه ذكر على سبيل الوجه والاحتمال دون أن يقول به أحد ويتّخذه مذهبا ، حتّى أنّه قد يتبرّأ عنه كلّ طائفة ، كتعيين الواجب عند الله تبارك وتعالى من دون تعيينه عند المكلّف (٤) في خصال الكفّارات مثلا.
أو أنّه قد يتوهّم من ظاهر عبارات بعضهم دون تنصيصهم كتخصيص الوجوب بأوّل الوقت في الواجب الموسّع على ما توهّم من ظاهر عبارة المفيد رحمهالله (٥) مثلا.
أو أنّ للخلاف في الحقيقة ونفس الأمر قائلا ولكن لا اعتماد بشأنه من جهة شذوذه أو جهل حاله أو غير ذلك ، كبشر المريسي في مسألة التصويب ، (٦) وكعبّاد في مسألة
__________________
(١) ب : اللطيفة الثانية.
(٢) أي قد يذكر الاختلاف.
(٣) رجل بشع النفس ، أي خبيث النفس. لسان العرب ، ج ٨ ، ص ١١ ( بشع ) .
(٤) في حاشية « ب » : + لكنّه إذا اختار المكلّف وفعل واحدا منها فهو ذلك الواجب المعيّن عند الله ، فاختلف باختلاف المكلّفين. فإنّه قد تبرّأ منه المعتزلة ونسبه إلى الأشاعرة وبالعكس.
(٥) المقنعة ، ص ٩٤.
(٦) نقل عنه الشيخ في عدّة الاصول ، ج ٢ ، ص ٧٢٥.