قد يتعرّض لأشياء لا حقيقة لها ، بل هي محض خيالات فاسدة ، وتفكّرات غير راشدة ، أو لا سبيل لنا إليه أبدا وإن صرفنا جهدنا وبذلنا طاقتنا ، أو ما كلّفنا بها بل كلّفنا بالسكوت عنها ، أو لا تثمر ثمرة بل ولا تفيد علما ، وهل هذه إلّا إبعاد القريب ، واستصعاب السهل اليسير ، واستعظام الشيء الحقير ، واستكثار القليل ، المورث لزيادة مرض العليل ، وحرقة الغليل ، فهل يهلك إلّا القوم العادون.
وأعظم من ذلك كلّه أنّه قد يتكلّم بكلامات لا نعرف (١) من يتكلّم بها ولا غيره ، فإن كان هذه الأشياء علما وتحقيقا ، واستفسارا وتدقيقا ، وبها صاروا عالمين محقّقين مدقّقين ، فهنيئا لهم خاصّة ، فإنّا منهم برآء وممّا يعملون.
الرابعة : قد عسر التحصيل في هذه الأزمان على أكثر المحصّلين مع كثرة اشتغالهم وبذل جهدهم وطاقتهم ، وذلك لعدم استهدائهم إلى طريقته وعدم الأخذ بطوره وسيرته ، وأنا أشير في هذه التنبيهة (٢) إلى بعض طرقه ، فمن شاء فليؤمن ، ومن شاء فليكفر ، (٣) فأقول :
اعلم : أنّ شرف العلم وعزّته وعظمه وجلالته إنّما هو لأجل أدائه إلى غاية هي غاية الغايات ونهاية الحاجات ؛ وأعظم المهمّات رضوان الله تعالى الذي هو الفوز العظيم ، والثواب الجسيم ، والمنجي من العذاب الأليم ، بواسطة معرفته والإيمان به بالقلب السليم ، والخوض في الأعمال الصالحة خالصا لوجهه الكريم ، والعلم الذي إلى شيء منها لا يؤدّيك ، ولا إلى طريقها يهديك ليس علما ، بل هو جهل في انحطاط رتبته وسفليّة درجته ؛ فليكن تحصيلك للعلوم واشتغالك بالرسوم لوجه الله ، وطلبا لمرضاته ، ونيلا لثوابه ، لا لأغراض فاسدة ، وغايات غير مقتصدة كالتكاثر والتفاخر ، والتطوّل والتكبّر ، والمراء والمجادلة ، والمناقشة والمقاولة ، فقد روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآله
__________________
(١) الف : لا يعرف.
(٢) كذا في النسختين والصحيح : هذا التنبيه.
(٣) اقتباس من الآية ٢٩ من سورة الكهف.