ربّك بأعمالك أنفع لك (١) من رضاهم بأفعالك ، فلا تجاوز عمّا كلّفت به ؛ فإنّ فيه كفاية وشغلا عمّا منعت منه.
واعلم : أنّ الاجتهاد وإن عظم في نظر الجهّال ، وجسم في صدور (٢) أهل الضلال الذين رضوا بالحياة الدنيا واطمأنّوا بها كالأطفال ، ولكنّه أوّل مرتبة من مراتب التكليف والعبادة ، وأوّل مرحلة من وادي العمى والجهالة ، فلا يغرّنّك شهرته عند الناس ، وكبرته عند أهل التقليد والوسواس ، ولا يكون هذا نهاية قصدك وغاية جهدك ، فإنّ وراءه شيئا أعلى منه وهو المقصود.
واعلم : أنّ الدنيا مزرعة الآخرة ، فكلّ شيء زرعته وعملته فيها حصدته ورأيته في الآخرة ، فاصرف علمك في عملك ، وشغلك في زراعتك ، ولا تصرفه في زهرة الحياة (٣) الدنيا وزخرفتها ، ولا تجعله مكسبا لمالها وجيفتها ، فقد صرفت باقيتك في فانيتك ، واشتريت دنياك بآخرتك ، وأكلت في أوّل مرحلتك (٤) ما في سفرتك.
ولا يغويك تعظيم الناس ، فإنّ وراءه تحقيرا ، ولا مدحتهم فإنّ وراءها مذلّة ، ولا رضاهم فإنّ وراءه سخطا ؛ ولا يهمّك أمر رزقك ، فإنّ الذي خلق الموت والحياة قدّر أن لا تموت نفس قبل استكمال رزقها ، ولا يستكمل رزقها قبل استكمال عدّتها ، وقد قال الإمام عليهالسلام : « اعلموا علما يقينا أنّ الله لم يجعل للعبد ـ وإن عظمت حيلته ، واشتدّت طلبته ، وقويت مكيدته ـ أكثر ممّا سمّي له في الذكر الحكيم ، ولم يحل بين العبد في ضعفه وقلّة حيلته وبين أن يبلغ ما سمّي له في الذكر الحكيم ؛ والعارف بهذا (٥) العامل به أعظم الناس راحة في منفعة ، والتارك له الشاكّ فيه أعظم الناس شغلا في مضرّة » . (٦)
__________________
(١) ب : ـ لك.
(٢) ب : صدر.
(٣) ب : ـ الحياة.
(٤) الف : رحلتك.
(٥) نهج البلاغة : لهذا.
(٦) نهج البلاغة ، ص ٥٢٣ ، الحكمة : ٢٧٣. وفي الكافي ، ج ٥ ، ص ٨١ ، باب الإجمال في الطلب ، ح ٩ ؛ وتهذيب الأحكام ، ج ٦ ، ص ٣٢٢ ، ح ٤ مع اختلاف يسير.