محاكمة للمتعلّمين بين الفقهاء والمتكلّمين
اعلم : أنّ المرتضى (١) وأكثر المتكلّمين والحنفيّة (٢) ذهبوا إلى عدم حجّيّته ، وقالوا لو كان الحكم بالبقاء مع اشتراكهما في المقتضي فهو القياس ، وإلّا فلا يجوز ؛ للتغاير. والفقهاء استدلّوا بصحّة إرسال المكاتيب والهدايا ، وليست إلّا من الحكم ببقاء المرسل إليه ، ومثّلوا له بالمتيمّم الفاقد للماء الداخل في الصلاة الواجد له فيها.
والذي يظهر لي أنّه لا نزاع بينهم ؛ لأنّ دليل المانعين ينادي بأنّه لا مانع من قبوله إلّا اسمه ولا يصلح للمنع.
واستدلالهم بصحّة إرسال المكاتيب ليس بشيء ؛ لأنّها منوطة بالقرائن والعادة ، وهي لا تنضبط ، ولهذا أتوا بالنقض بأنّ الحكم ببقاء زيد في الدار بعد الغيبة الطويلة سفاهة ، وكذلك تمثيلهم بالمتيمّم ليس مثالا لمحلّ النزاع ، لتغاير الحالين فيه يقينا كما يقول المانعون ردّا عليهم ، فلو تحقّق نزاع فإنّما هو في التسمية أو في وجود القرينة وعدمها ، أو في تغاير الحالين وعدمه ، لا في أصل الاستصحاب ، كيف ؟ وقد صار عدم انتقاض اليقين بالشكّ من المسلّمات عند الفريقين ، وهذا معنى الاستصحاب.
نخبة :
التمثيل ـ ويقال له القياس ـ إثبات حكم معلوم ـ يسمّى بالأصل ـ لمعلوم آخر يسمّى بالفرع ؛ لأولويّته أو تساويه (٣) في علّته يسمّى بالجامع.
فأمّا الأوّل ، فحجّة مطلقا بلا خلاف.
وأمّا الثاني ، فينقسم (٤) إلى ما قد نصّ فيه على العلّة وإلى ما استنبط العلّة فيه.
فأمّا الأوّل ، فهو حجّة أيضا بلا خلاف في أصله ، وإنّما الخلاف في كيفيّة إثباتها هل
__________________
(١) الذريعة ، ج ٢ ، ص ٨٣٠.
(٢) المستصفى ، ص ١٥٩ ؛ المحصول ، ج ٦ ، ص ١٠٩ ؛ زبدة الاصول ، ص ١٠٩ ؛ فرائد الاصول ، ج ٣ ، ص ٣٢ و١٠٦.
(٣) الف : ـ أو تساويه.
(٤) الف : فيقسّم.