ولا يخفى عليك أنّ عدّ مثل ابن شاذان الثقة الجليل إيّاه من أصحاب علي عليه السلام كاف في إثبات كونه إماميّا ، وقوله في حقّه : إنّه كان زاهدا تقيّا ، وإقرانه باويس القرني ، بل تقديمه في الذكر عليه ، المؤيّد بعدّ العلاّمة رحمه اللّه
__________________
عقائدهم وجلب أنظارهم إلى غاياتهم .. كثيرة ، وهي تختلف في عصر كلّ من وفاة النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم إلى عصر الإمام العسكري عليه السلام ، بشكل يناسب الوضع السياسي ، ومن جملة تلك العناوين التي اخترعوها التصوّف ، والزهد ، وذلك أنّ أهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم كانوا في قمّة الفضائل والأوصاف الحميدة ، وفي غاية الطهارة من الصفات الرذيلة ، وكان إحدى تلك الصفات دأبهم في العبادة ، وزهدهم عن الدنيا وزخرفها ، والإعراض عنها .. والطغاة الحاكمون فحصوا عن رجال لهم استعداد التظاهر بصفة الزهد الذي اخترعوه ، من عدم أكل الطيب ، ولبس الجيد .. وغير ذلك ثم نوّهوا باسمهم ورفعوا شأنهم بين الناس ، وبذلوا بواسطة أياديهم الأثيمة كل ما في وسعهم لترويج أولئك ، كل ذلك ليكونوا أفراد مشهورين بالزهد ، في قبال زهد الأئمة الطاهرين ، وبعد مرور زمن غير قليل صار الزهد وصفا مميّزا في المجتمع ، وكان زهد هؤلاء في المأكل والمشرب وبعض مظاهر الحياة الظاهرية ، من عدم الأكل ، وعدم الاستمتاع بملاذ الحياة المحلّلة ، مع أنّ التشريع الإسلامي والسيرة الشريعة النبوية صريحة في أنّ الزهد هو ما في الآية الشريفة : (لِكَيْلاٰ تَأْسَوْا عَلىٰ مٰا فٰاتَكُمْ وَلاٰ تَفْرَحُوا بِمٰا آتٰاكُمْ) ، [سورة الحديد (٥٧) : ٢٣] ، وقول أمير المؤمنين عليه السلام : «ليس الزهد أن لا تملك شيئا ، بل الزهد أن لا يملكك شيء» ، فقلبوا هذا المفهوم الرفيع إلى ترك أكل الطيب ، ولبس الجيّد ، والصمت عن الكلام ، ونحن نعتقد بأنّ كل ما كان عن تعليم اللّه ، وعلى سيرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم والأئمّة الهداة عليهم السلام فهو الرشاد ، وما كان خلافه فهو الضلال ، وعليه فإنّ صمت الربيع عشر سنين أو عشرين سنة عن الكلام ، لم نجد له في الكتاب العزيز ، ولا في سيرة النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، ومن بعده من أئمة المسلمين أثرا ، بل بالعكس ، كانوا صلوات اللّه عليهم يتكلّمون بكلّ ما ينبغي ، إلاّ أنّهم يمتنعون عن اللغو ، وعمّا لا يرضي اللّه ، وكانوا يتحادثون مع الناس ، ويتّضح ممّا ذكرناه أن صمت المترجم إن لم تكن منقصة له لا يمكن عدّها فضيلة ، وكذلك فعلوا الطغاة في قلب المفاهيم العالية الرفيعة إلى مظاهر خسيسة ، وما ذكرته تجده متجليّا في حياة الفريقين على مرّ الزمن.