واختار شيخ الإسلام تفصيلا حسنا : فإن كان من جرح مجملا قد وثّقه أحد من أئمّة هذا الشأن ، لم يقبل الجرح فيه من أحد كائنا من كان إلاّ مفسّرا ، لأنّه قد ثبت له رتبة الثقة ، فلا يزحزح عنها إلاّ بأمر جليّ ، فإنّ أئمّة هذا الشأن لا يوثّقون إلاّ من اعتبروا حاله في دينه ثمّ في حديثه وتفقّدوه كما ينبغي ، وهم أيقظ الناس ، لا ينقض حكم أحدهم إلاّ بأمر صريح ... » (١).
أقول : وعلى أساس تفصيل ابن حجر العسقلاني لا يصغى إلى قدح من قدح في الأجلح بعد توثيق يحيى بن معين والعجلي والفسوي وغيرهم ، ورواية أرباب الصحاح عنه في صحاحهم ، لأنّ القادحين منهم من لم يذكر السبب ، ومنهم من ذكر سببا غير جارح لا يلتفت إليه ، كدعوى الخطأ ونحوه.
وقال الشيخ عبد الوهّاب الشعراني ـ في كلام له في الدفاع عن مذهب أبي حنيفة ـ :
« وإنّما قدّم جمهورهم التعديل على الجرح وقالوا : الأصل العدالة والجرح طار ، لئلاّ يذهب غالب أحاديث الشريعة ، كما قالوا أيضا : إنّ إحسان النظر بجميع الرواة المستورين أولى ، وكما قالوا : إنّ مجرّد الكلام في شخص لا يسقط مرتبته ، فلا بدّ من الفحص عن حاله.
وقد خرّج الشيخان لخلق كثير عمّن تكلّم النّاس فيهم ، إيثارا لإثبات الأدلّة الشّرعية على نفيها ، ليحوز الناس فضل العمل بها ، فكان في ذلك فضل كثير للامة أفضل من تجريحهم ...
فقد بان لك أنه ليس لنا ترك حديث كلّ من تكلّم الناس فيه بمجرّد الكلام ، فربما يكون قد توبع عليه وظهرت شواهده ، وكان له أصل ، وإنّما لنا
__________________
(١) تدريب الراوي ١ / ٢٥٨.