ترك ما انفرد به ، وخالف فيه الثقات ، ولم يظهر له شواهد.
ولو أننا فتحنا باب الترك لحديث كلّ راو تكلّم بعض الناس فيه لذهب معظم أحكام الشريعة كما مر ، وإذا أدّى الأمر إلى مثل ذلك فالواجب على جميع أتباع المجتهدين إحسان الظن برواة جميع أدلّة المذاهب المخالفة لمذهبهم ، فإنّ جميع ما رووه لم يخرج عن مرتبي الشريعة اللتين هما التخفيف والتشديد » (١).
ولابن الوزير الصّنعاني (٢) كلام يشتمل على فوائد منها : إنّ الجرح الذي لم يفسّر لا يقدّم على التعديل ، بل إنّما يوجب الرّيبة في غير المشاهير بالعدالة والثقة ... ثم قال : « ومن لطيف علم هذا الباب أن يعلم : أنّ لفظة « كذّاب » قد يطلقها كثير من المتعنتّين في الجرح على من يهمّ ويخطئ في حديثه ، وإن لم يتبيّن أنّه يتعمّد ذلك ، ولا يبين أن خطأه أكثر من صوابه ولا مثله. ومن طالع كتب التجريح والتعديل عرف ما ذكرته. وهذا يدل على أنّ هذا اللفظ من جملة الألفاظ المطلقة التي لم يفسّر سببها ، ولهذا أطلقه كثير من الثقات على جماعة من الرفعاء من أهل الصّدق والأمانة. فاحذر أن تغترّ بذلك في حق من قيل فيه من الثقات الرفعاء ، فالكذب في الحقيقة اللّغوية مطلق على الوهم والعمد معا ، ويحتاج إلى التّفسير إلاّ أن يدل على التعمّد قرينة » (٣).
__________________
(١) الميزان ـ فصل في تضعيف قول من قال أن أدلة مذهب الإمام أبي حنيفة ضعيفة غالبا.
(٢) محمد بن إبراهيم ، المتوفى سنة ٨٤٠ ، محدّث ، أديب ، متكلّم له ترجمة في : الضوء اللامع ٦ / ٢٧٢ ، البدر الطالع ٢ / ٨١ وغيرهما.
(٣) الروض الباسم في الذب عن سنّة أبي القاسم ـ النوع الثاني ممّا قدح به على البخاري ومسلم.