الوضع من شأنه ، والعكس في الجائر وقال : لا فرق بينهما ، أمدح أيَّهما شئت وأذمُّه ، فلو صدّقناه لقلنا بهيمة عجماء ، ولكنّا علمنا أن الله تعالى كلّفه فهو عاقل مكابر ...
هذا بيان إطباق جميع العقلاء على ما ذكرنا : فصحّ قولنا : جميع العقلاء ، وإنكار أفراد النظّار في حال الجدال لا يقدح في علمهم ، بل كثيراً مّا يقرّ تلك الطائفة بألسنتهم مرةً وإنْ أنكروا اخرى ، وإنما يعبّرون بالنقص والكمال ، ثم هم يقرّون في جميع تصرفاتهم الحالية والمقالية سوى ما ذكر ، فصحّ أنه لا يخالف إلاّنزر من النظّار ...
وأما المقلّدون أو الغافلون ... فالغافل لا يحلّ لنا رميه بهذه الداهية التي تهدم الدين والدنيا كما سنذكره : وأيضاً ، فهو كذب عليه أو تخمين : وأما المقلد ، فلم يلّم على الأول إلاّلحسن الظن بمسقط رأسه وأوّل أرضٍ مسّ جلده ترابها ، وسمع الناس يقولون شيئاً فقاله ...
وأما النظّار الذين يعرفون هذه الحقائق ويقبلونها علماً :
أمّا في زماننا فلا تكاد تجد منهم أحداً ، لم أر وأسمع في اليمن ولا في الحرمين ممن يعتزى إلى الأشعري ويعرف هذا الشأ ، غير ثلاثة هم : إبراهيم الكردي ، وتلميذه البرزنجي ، ويحيى الساوي المصري العربي : وثلاثتهم معترف بتعليل أفعال الباري تعالى ، ومسألة تعليل أفعاله تعالى ملازمة لهذه المسألة ، والمفرّق بينهما مخطىء كما نذكره ، لأن المراد أنه تعالى لا يفعل إلاّ الأولى لأنه أولى ، كما مرّ في العبادات.
وأمّا في الماضين ، فلا تحكم على أحدٍ بهذه المقالة التي لا يصح معها سمع ـ كما ذكرناه إن شاء الله تعالى ـ وهي مكابرة في العقل كما بيّناه ، فلا تحكم إلاّعلى من أعرب عن نفسه : وأكثر المصنّفين أو كثير منهم إنما يحكي