أيّامهم فيحدوهم ذلك على الشكر والصبر ؛ وأمّا الطالحون فإنَّ مثل هذا إذا نالهم كسر شرتهم ، وردعهم عن المعاصي الفواحش ، وكذلك يجعل لمن سلم منهم من الصنفين صلاحاً في ذلك : أمّا الأبرار فإنّهم يغتبطون بما هم عليه من البرّ والصلاح ويزدادون فيه رغبة وبصيرة . وأمّا الفجّار فإنّهم يعرفون رأفة ربّهم (١) وتطوّله عليهم بالسلامة من غير استحقاقهم (٢) فيحضّهم ذلك على الرأفة بالناس والصفح عمّن أساء إليهم .
ولعلّ قائلاً يقول : إنّ هذه الآفات الّتي تصيب الناس في أموالهم ، فما قولك فيما يبتلون به في أبدانهم فيكون فيه تلفهم ، كمثل الحرق والغرق والسيل والخسف ؟ فيقال لهم : إنَّ الله جعل في هذا أيضاً صلاحاً للصنفين جميعاً : أمّا الأبرار فلما لهم في مفارقة هذه الدنيا من الراحة من تكاليفها والنجاة من مكارهها ؛ وأمّا الفجّار فلما لهم في ذلك من تمحيص أوزارهم وحبسهم عن الازدياد منها . وجملة القول أنَّ الخالق تعالى ذكره بحكمته وقدرته قد يصرّف هذه الاُمور كلّها إلى الخيرة والمنفعة فكما أنّه إذا قطعت الريح شجرة أو قطعت نخلة أخذها الصانع الرفيق واستعملها في ضروب من المنافع فكذلك يفعل المدبّر الحكيم في الآفات الّتي تنزل بالناس في أبدانهم وأموالهم فيصيّرها جميعاً إلى الخيرة والمنفعة .
فإن قال : ولمَ يحدث على الناس ؟ قيل له : لكيلا يركنوا إلى المعاصي من طول السلامة فيبالغ الفاجر في ركوب المعاصي ، ويفتر الصالح عن الاجتهاد في البرّ ، فإنّ هذين الأمرين جميعاً يغلبان على الناس في حال الخفض (٣) والدعة ، (٤) وهذه الحوادث الّتي تحدث عليهم تردعهم (٥) وتنبّههم على ما فيه رشدهم ، فلو أخلوا منهما لغلوا في الطغيان والمعصية كما على الناس في أوَّل الزمان حتّى وجب عليهم البوار بالطوفان وتطهير الأرض منهم .
________________________
(١) وفي نسخة : فانهم يعرفون رحمة ربهم .
(٢) وفي نسخة : من غير استحقاق .
(٣) خفض العيش : سهل وكان هنيئاً .
(٤) الراحة وخفض العيش .
(٥) وفي نسخة : وهذه الحوادث التي تحدث عليهم تروعهم .