( باب ٥ )
الخبر المروي عن المفضل بن عمر في التوحيد المشتهر بالاهليلجة
حدّثني محرز بن سعيد النحويّ بدمشق قال : حدّثني محمّد بن أبي مسهر (١) بالرملة ، عن أبيه عن جدّه قال : كتب المفضّل بن عمر الجعفيّ إلى أبي عبد الله جعفر بن محمّد الصادق عليهماالسلام يُعلمه أنّ أقواماً ظهروا من أهل هذه الملّة يجحدون الربوبيّة ، ويجادلون على ذلك ، ويسأله أن يردّ عليهم قولهم ، ويحتجّ عليهم فيما ادّعوا بحسب ما احتجّ به على غيرهم . فكتب أبو عبد الله عليهالسلام :
بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ أمّا بعد وفّقنا الله وإيّاك لطاعته ، وأوجب لنا بذلك رضوانه برحمته ؛ وصل كتابك تذكر فيه ما ظهر في ملّتنا ، وذلك من قوم من أهل الإلحاد بالربوبيّة قد كثرت عدّتهم واشتدّت خصومتهم ، وتسأل أن أصنع للردّ عليهم والنقض لما في أيديهم كتاباً على نحو ما رددت على غيرهم من أهل البدع والاختلاف ، ونحن نحمد الله على النعم السابغة والحجج البالغة والبلاء المحمود عند الخاصّة والعامّة فكان من نعمه العظام وآلائه الجسام الّتي أنعم بها تقريره قلوبهم بربوبيّته ، وأخذه ميثاقهم بمعرفعته ، وإنزاله عليهم كتاباً فيه شفاء لما في الصدور من أمراض الخواطر ومشتبهات الاُمور ، ولم يدع لهم ولا لشيء من خلقه حاجة إلى من سواه ، واستغنى عنهم ، وكان الله غنيّاً حميداً .
ولعمري ما اُتي الجهّال من قبل ربّهم وأنّهم ليرون الدلالات الواضحات و العلامات البيّنات في خلقهم ، وما يعاينون من ملكوت السماوات والأرض والصنع العجيب المتقن الدالّ على الصانع ، ولكنّهم قوم فتحوا على أنفسهم أبواب المعاصي وسهّلوا لها سبيل الشهوات ، فغلبت الأهواء على قلوبهم ، واستحوذ الشيطان بظلمهم عليهم ، وكذلك يطبع الله على قلوب المعتدين . والعجب من مخلوق يزعم أنّ الله يخفى على عباده وهو يرى أثر الصنع في نفسه بتركيب يبهر عقله ، وتأليف يبطل حجّته (٢)
________________________
(١) وفي نسخة : محمد بن أبي مشتهر .
(٢) وفي نسخة : وتاليف يبطل جحوده .