الخالق جلّ اسمه من العدوّ (١) وأن يجعل العالم شبكة له ليوقع العدوّ فيه ، ويجعله في ربط ووثاق . والعدوّ عندهم هو الشيطان وبعضهم يعتقد قدمه وبعضهم حدوثه .
قال قوم منهم : إنّ الباري عز وجل استوحش ففكر فكرة رديّة فتولّد منها الشيطان . وقال آخرون : بل شكّ شكّاً رديّاً فتولّد الشيطان من شكّه . وقال آخرون : بل تولّد من عفونة رديّة قديمة .
وزعموا أنّ الشيطان حارب الباري سبحانه ؛ وكان في الظلمة لم يزل بعيداً عن سلطان الباري سبحانه فلم يزل يزحف حتّى رأى النور فوثب وثبة عظيمة فصار في سلطان الله تعالى في النور ، وأدخل معه البلايا والشرور فبنى الله سبحانه هذه الأفلاك والأرض والعناصر شبكة له ، وهو فيها محبوس لا يمكنه الرجوع إلى سلطانه الأوّل والظلمة فهو أبداً يضطرب ويرمي الآفات على خلق الله سبحانه فمن أحياه الله رماه الشيطان بالموت ، ومن أصحّه رماه الشيطان بالسقم ، ومن سرّه رماه الشيطان بالحزن والكأبة فلا يزال كذلك . وكلّ يوم ينتقص سلطانه وقوّته لأنّ الله تعالى يحتال له كلّ يوم ويضعّفه إلى أن تذهب قوّته كلّها ، ويخمد ويصير جماداً جامداً هوائيّاً ، و يجمع الله تعالى أهل الأديان فيعذّبهم بقدر ما يطهّرهم ويصفّيهم من طاعة الشيطان ، ويغسّلهم من الأدناس ثمّ يدخلهم الجنّة وهي لا أكل فيها ولا شرب ولا تمتّع ، ولكنّها موضع لذّة وسرور .
أقول : لمّا عرفت هذه المذاهب السخيفة المزخرفة الّتي يغني تقريرها عن التعرّض لإبطالها وتزييفها فلنرجع إلى توضيح الخبر .
فنقول : يظهر من كلامه عليهالسلام أنّ الديصانيّة قالوا : بقدم الطينة أي الظلمة ، وبحدوث الامتزاج ، ويحتمل أن يكون إشارة إلى ما نسبه الشهرستانيّ إلى الزروانيّة حيث قال : زعم بعضهم أنّه كان لم يزل مع الله شيء رديّ إمّا فكرة رديّة ، وإمّا عفونة رديّة ، وذلك هو مصدر الشيطان ، وزعموا أنّ الدنيا كانت سليمة من الشرور والآفات ، وكان أهلها في خير محض ونعيم خالص فلمّا حدث « أهرمن » حدثت الشرور والآفات والفتن ، (٢) وكان بمعزل من السماء فاحتال حتّى خرق السماء وصعد .
________________________
(١) وفي نسخة : أن ينحصر الخالق جل اسمه من العدو .
(٢) وفي نسخة : والافات والمحن .