فاسأل التخفيف ، (١) فإنَّ اُمّتك لا تطيق ذلك ؟ فقال يا بنيَّ : إنَّ رسول الله صلىاللهعليهوآله كان لا يقترح (٢) على ربّه عزَّ وجلَّ ولا يراجعه في شيء يأمره به ، فلمّا سأله موسى عليهالسلام ذلك فكان شفيعاً لاُمّته إليه لم يجز له ردّ شفاعة أخيه موسى فرجع إلى ربّه فسأله التخفيف إلى أن ردّها إلى خمس صلوات .
قال : قلت له : يا أبة فلمَ لا يرجع إلى ربّه عزَّ وجلَّ (٣) ويسأله التخفيف عن خمس صلوات وقد سأله موسى عليهالسلام أن يرجع إلى ربّه ويسأله التخفيف ؟ فقال يا بنيَّ أراد صلىاللهعليهوآله أن يحصل لاُمّته التخفيف مع أجر خمسين صلاة يقول الله عزَّ وجلَّ : « مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا » ألا ترى أنّه صلىاللهعليهوآله لمّا هبط إلى الأرض نزل عليه جبرئيل عليهالسلام فقال : يا محمّد إنَّ ربّك يقرؤك السلام ويقول : إنّها خمس بخمسين ، ما يبدّل القول لديَّ وما أنا بظلّام للعبيد قال : فقلت له : يا أبة أليس الله تعالى ذكره لا يوصف بمكان ؟ قال : تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً .
قلت : فما معنى قول موسى عليهالسلام لرسول الله صلىاللهعليهوآله : ارجع إلى ربّك ؟ فقال : معناه معنى قول إبراهيم عليهالسلام : إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ ، ومعنى قول موسى عليهالسلام : وَ عَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ ، ومعنى قوله عزَّ وجلَّ ، « فَفِرُّوا إِلَى اللَّـهِ » يعنى حجّوا إلى بيت الله ، يا بنيّ إنَّ الكعبة بيت الله تعالى ، فمن حجّ بيت الله فقد قصد إلى الله ، والمساجد بيوت الله فمن سعى إليها فقد سعى إلى الله وقصد إليه ، والمصلّي مادام في صلاته فهو واقف بين يدي الله جلّ جلاله ، وأهل موقف عرفات هم وقوف بين يدي الله عزَّ وجلَّ ، وإنَّ لله تبارك و تعالى بقاعاً في سماواته فمن عرج به إلى بقعة منها فقد عرج به إليه ، ألا تسمع الله عزَّ وجلَّ يقول : « تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ » ويقول في قصّة عيسى عليهالسلام : « بَل رَّفَعَهُ اللَّـهُ إِلَيْهِ » ويقول عزَّ وجلَّ : « إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ » .
بيان : الغرض من ذكر هذه الاستشهادات بيان شيوع تلك الاستعمالات و التجوّزات في لسان أهل الشرع والعرف .
________________________
(١) وفي نسخة : فاسأله التخفيف .
(٢) اقترح عليه كذا أو بكذا : تحكم وسأله اياه بالعنف ومن غير روية .
(٣) وفي نسخة : فلم لم يرجع إلى ربه عز وجل .