الحق ، والمفارقات المحضة من ملائكته القدسية ، وفي متن الدهر الذي هو ظرف مطلق الحصول القار والثبات البات ووعاء عالم الوجود كله ، وإنما البداء في القدر وفي امتداد الزمان الذي هو افق التقضي والتجدد ، وظرف التدريج والتعاقب ، وبالنسبة إلى الكائنات الزمانية ومن في عالم الزمان والمكان وإقليم المادة والطبيعة ، وكما حقيقة النسخ عند التحقيق انتهاء الحكم التشريعي وانقطاع استمراره لارفعه وارتفاعه من وعاء الواقع فكذا حقيقة البداء عند الفحص البالغ انبتات استمرار الامر التكويني ، وانتهاء
___________________
* البداء ، وقول أبى عبدالله عليهالسلام : «ما بدا لله في شئ كما بدا له في اسماعيل» فانما أراد به ما ظهر من الله تعالى فيه من دفاع القتل عنه وقد كان مخوفا عليه من ذلك ، مظنونا به فلطف له في دفعه عنه ، وقد جاء الخبر بذلك عن الصادق عليهالسلام فروى عنه عليهالسلام أنه قال : «ان القتل قد كتب على اسماعيل مرتين فسألت الله في دفعه عنه فدفعه» وقد يكون الشئ مكتوبا بشرط فيتغير الحال فيه ، قال الله تعالى : «ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده» فتبين أن الاجال على ضربين : ضرب منها مشترط يصح فيه الزيادة والنقصان ، ألاترى إلى قوله تعالى : «وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره الا في كتاب» وقوله تعالى : «ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض» فبين أن آجالهم كانت مشترطة في الامتداد بالبر والانقطاع بالفسوق ، وقال تعالى ـ فيما خبر به عن نوح عليهالسلام في خطابه لقومه ـ : «استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا» إلى آخر الايات ، فاشترط لهم في مد الاجل وسبوغ النعم الاستغفار ، فلما لم يفعلوه قطع آجالهم وبتر أعمارهم واستأصلهم بالعذاب : فالبداء من الله تعالى يختص ما كان مشترطا في التقدير ، وليس هو الانتقال من عزيمة إلى عزيمة ، ولا من تعقب الرأى ـ تعالى الله عما يقول المبطلون علوا كبيرا. ـ وقد قال بعض اصحابنا : ان لفظ البداء اطلق في أصل اللغة على تعقب الرأى والانتقال من عزيمة إلى عزيمة ، وانما اطلق على الله تعالى على وجه الاستعارة كما يطلق عليه الغضب والرضا مجازا غير حقيقة ، وان هذا القول لم يضر بالمذهب ، اذ المجاز من القول يطلق على الله تعالى فيما ورد به السمع ، وقد ورد السمع بالبداء على ما بينا. والذى اعتمدناه في معنى البداء انه الظهور على ما قدمت القول في معناه ، فهو خاص فيما يظهر من الفعل الذى كان وقوعه يبعد في النظر «الظن خ ل» دون المعتاد ، اذ لو كان في كل واقع من أفعال الله تعالى لكان الله تعالى موصوفا البداء في كل أفعاله وذلك باطل بالاتفاق. انتهى كلامه.
أقول : انما أطلنا الكلام في نقل الاقوال حتى يتضح جلية الحال في هذه المرغمة والفرية الشائنة ، وترى الباحث أن أقوال الشيعة التى تعرب عن معتقداتهم قديما وحديثا تكذب ما عزاه المخالفون الينا ، وأنهم لم يلتزموا بالصدق والامانة فيما يكتب عن الشيعة بل التزموا بضدها ولم يتركون قوس افكهم منزعالم يرموا بها الشيعة ، وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون ، يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تودلو أن بينها وبينه أمدا بعيدا والله خبير بما يعملون.