العقل والسمع ، كما في طلب إبراهيم عليهالسلام ، وحاصله يرجع إلى منع أن العاقل لا يطلب المحال الذي علم استحالته إذ يمكن أن يكون الطلب لغرض آخر غير حصول المطلوب فلايلزم العبث لجواز ترتب غرض آخر عليه ، والعبث مالافائدة فيه أصلا ، ولعل في هذا السؤال فوائد عظيمة سوى ما ذكر أيضا ولايلزمنا تعيين الفائدة بل على المستدل أن يدل على انتفائها مطلقا ، ونحن من وراء المنع ، ومما يستغرب من الاشاعرة أنهم أجمعوا على أن الطلب غير الارادة ، واحتجوا عليه بأن الآمر ربما أمر عبده بأمر وهو لايريده ، بل يريد نقيضه ، ثم يقولون ههنا : بأن طلب ما علم استحالته لايتأتى من العاقل.
الثانى من وجهى احتجاجهم : هو أنه تعالي علق الرؤية على استقرار الجبل وهو أمر ممكن في نفسه ، والمعلق على الممكن ممكن لان معنى التعليق أن المعلق يقع على تقدير وقوع المعلق عليه ، والمحال لايقع على شئ من التقادير ويمكن الجواب عنه بوجوه أوجهها أن يقال : التعليق إما أن يكون الغرض منه بيان وقت المعلق وتحديد وقوعه بزمان وشرط ومن البين أن ما نحن فيه ليس من هذا القبيل ، وإما أن يكون المطلوب فيه مجرد بيان تحقق الملازمة وعلاقة الاستلزام بأن يكون لافادة النسبة التي بين الشرط والجزاء مع قطع النظر عن وقوع شئ من الطرفين وعدم وقوعه ، ولايخفى على ذي لب أن لا علاقة بين استقرار الجبل ورؤيته تعالى في نفس الامر ولا ملازمة ، على أن إفادة مثل هذا الحكم وهو تحقق علاقة اللزوم بين هاتين القضيتين لا يليق بسياق مقاصد القرآن الحكيم مع ما فيه من بعده عن مقام سؤال الكليم فإن المناسب لماطلب من الرؤية بيان وقوعه ولا وقوعه ، لامجرد إفادة العلاقة بين الامرين فالصواب حينئذ أن يقال : المقصود من هذا التعليق بيان أن الجزاء لايقع أصلا بتعليقه على ما لايقع ، ثم هذا التعليق إن كان مستلزما للعلاقة بين الشرط والجزاء فواجب أن يكون إمكان الجزاء مستتبعا لامكان الشرط لان ماله هذه العلاقة مع المحال لايكون ممكنا على ما هو المشهور من أن مستلزم المحال محال ، وإلا فلاوجه لوجوب إمكان الجزاء والاول وإن كان شائع الارادة من اللفظ إلا أن الثاني أيضا مذهب معروف للعرب كثير الدوران بينهم ، وهو عمدة البلاغة ودعامتها ، ومن ذلك قول الشاعر :