يقول : اللهم إنك قلت : ( هو الّذي يسيّركم في البر والبحر ) (١) وحيث كنت ـ يا أرحم الراحمين ، وأكرم الأكرمين ـ المتولي لتسييرنا ، فكن اللهم المتولي لحسن تدبيرنا ، وكمال سرورنا ، ودفع محذورنا ، والرحمة لنا ، والعناية بنا في جميع أمورنا ، ومدنا في تسييرك في (٢) البحر ، في السر والجهر ، بالنصر وجبر الكسر وشد الأزر ، وصلاح الأمر ، والبر واليسر ، برحمتك يا أرحم الراحمين.
أقول : ورأيت في (أخبار الأخيارعند ركوب البحار) أن الريح عصفت بهم حتى أشرفوا على الهلاك ، وعجزوا عن الاستدراك ، فقالوا لواحد منهم يثقون بدينه ويعرفون قوة يقينه : ادع لنا بالسلامة ، فقال : أنا لا اعارض الله تعالى في ملكه وفلكه. فقالوا : إن لم تتداركنا بأدعيتك وشفاعتك ، وإلا ذهبت أدياننا وأبداننا. فنظر إلى البحر وقال : اللهم قد أريتنا قدرتك فأرنا عفوك. فسكن البحر.
فقال له بعض أصحابه : كيف وصلتم إلى هذا الحال من تعجيل إجابة السؤال؟ قال : إنا تركنا لله ـ جل جلاله ـ ما نريد نحن ، لأجل ما يريد هوـ جل جلاله ـ فصار إذا عرضت إليه حاجة ـ جل جلاله ـ ترك ما يريد هو لأجل ما نريد نحن.
أقول : وحدثني أبوالفخر بن قرة رحمهالله وكان رجلا صالحاً ، أنه ركب في بعض مراكب البحار ، فأشرف أهل المركب على الأخطار لقوة الرياح ، وكان معهم رجل معروف بالصلاح ، فاستغاثوا به ، فكتب في رقعة لطيفة شيئا ورماه في الجحر ، فسكن الهواء وزال الابتلاء ، فاجتهدنا أن يعرفنا ما كتب فامتنع من ذلك ، وخرجنا من المركب ، وتبعته من بلد إلى بلد ليعرفني ما كتب ، فلما الححت عليه قال : والله ما كتبت غيرسورة ( قل هو الله احد ).
أقول أنا : ولا ريب أنه كتبها بالاخلاص فكانت سبب الخلاص ، ولو كتب اسم الله الأعظم الأرحم الاكرم ، لكفى في النجاة والظفر بالعز والجاه.
__________________
(١) يونس ١٠ : ٢٢.
(٢) في «ش» زيا دة : البرو.