حيث قد ذكرنا نوم المسافر ، وأنه يبقى هو وما (١) معه محتاجاً إلى حافظ لا ينام قادر قاهر ، فلنذكر ما يحضرنا في ذلك إن شاء الله تعالى ، فنذكر بعض ما ذكرناه في كتاب (فلاح السائل ونجاح المسائل) عند النوم ، فنقول : إن النوم موت اليقظة ، ووفاة الجوارح عن حياة الاستقامة ، قال الله جل جلاله : ( وهو الذي يتوفّاكم باللّيل ويعلم ما جرحتم بالنهارثمّ يبعثكم فيه ) (٢) فجعل ـ جل جلاله ـ النوم وفاة ، واليقظة بعثاً وحياة ، وقد عرفت أن النائم يصير كالأعمى والأصم والأخرس والزمن (٣) والمرطوب (٤) ، ويضيع منه الانتفاع بعقله فيما يقربه إلى علام الغيوب ، وكأنه إذا نام قد ضيع عياله وأمواله وحوائجه ومهماته وضروراته ، وما بقي له قدرة على حفظ شيء مما كان يحفظه باليقظة من مطلوباته ومراداته ، ولو أحرزها بالأقفال وما يجري مجراها من الاحتيال ، فإنه إذا نام أمكن فيها وقوع ما لا يريد على كل حال ، فكان الإنسان إذا نام قد اصيب مصائب هائلة ، ووقع تحت أخطار ذاهلة ، وما بقي يقدر على جمع شمله باليقظة على السلامة ، وبجوارحه على الاستقامة ، ويحفظ له مهماته على الإرادة التامة ، إلا الله جل جلاله (٥).
أقول : فينبغي أن يتوب من كل مايقتضي غضبه عليه ، فإن لم توافقه نفسه على التوبة ، وكان مصراً قد غلبت القساوة عليه ، فيسأل الله ـ جل جلاله ـ العفو عنه ، فإن مصانعته لله ـ جل جلاله ـ عند نومه أمر لا بد منه ، فإنه إذا كان الله ـ جل جلاله ـ غضباناً عليه ، وهو مهون بغضبه وغير ملتفت إليه ، فقد أعان على هلاك مهجته ، وكل ما يعز عليه
__________________
(١) في «ش» : ومن.
(٢) الأنعام ٦ : ٦٠.
(٣) الزمن : المريض الدائم المرض. أنظر «الصحاح ـ زمن ـ ٥ : ٢١٣١».
(٤) المرطوب : صاحب الرطوبة. «مجمع البحرين ـ رطب ـ ٢ : ٧٠».
(٥) فلاح السائل : ٢٧١ باختلاف في ألفاظه.