وصار في حال ينبغي أن يبكي منه ويبكى عليه ، وإن لم يصح منه طلب العفو والغفران ، بذل الجناة وأهل العصيان ، فيستسلم لله ـ جل جلاله ـ استسلام من يسترحم لمن يأخذ القود منه ، فعسى من رحمته وسعت كل شيء ـ جل جلاله ـ أن يرحمه ويعفو عنه ، ويحفظه في نومته ، ويعيده إلى فوائد يقظته. ويودع نفسه وكل من يعز عليه وما يعز عليه ، لله ـ جل جلاله ـ الذي أمر بحفظ الودائع والأمانات ، وجعل ذلك من الوصف الكامل ، وهو أجل وأقدر عليه.
أقول : ولقد رأيت في كتاب (الياقوت الأحمر) تأليف أحمد بن الحسن الأهوازي ، ما هذا لفظه ، قال : وسمعت أن بعض وصفاء الاكاسرة قالت : ما نام كسرى قط إلا وقبل نومه يسجد لله ـ عز وجل ـ ويسأله أن يحييه بعد ما يميته. يعني بالموت : النوم ، وبالحياة : الانتباه.
رويت ذلك بإسنادي من (كتاب التذييل) لمحمد بن النجار في ترجمة حمزة بن علي بن عثمان القرشي المخزومي قال : كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا غزا أو سافرفدركه الليل ، قال : «يا أرض ، لم ربي وربك الله ، أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك ، وشر ما خلق فيك ، وشر مادب عليك ، أعوذ بالله من شر كل أسد وأسود وحية وعقرب ، ومن ساكن البلد ، ومن شر والد وما ولد» (١).
قد ذكرنا في كتاب (فلاح السائل ونجاح المسائل) وكتاب (الأسرار المودعة في ساعات الليل والنهار) ما يحتاج الإنسان إليه ، في مثل هذه الحال التي تتهيأ عليه. ونقول هاهنا : إنه إذا استيقظ ـ ليلاً كان أو نهاراً ـ يسجد عقيب يقظته ، شكرا لله ـ جل جلاله ـ على سلامته ، وتمام عافيته. فقد روينا أن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام كان يسجد لله ـ جل جلاله ـ عقيب اليقظة والمنام.
__________________
(١) البحار ٧٦ : ٢٦١ / ٥٥.