الباب الثامن
في امتحان المياه المختلفة ليعلم أيها أصلح.
أجود المياه وأحمدها ما كان لا طعم له ولا رائحة ولا لون ، وهذا الجنس من المياه يكون صافياً سليماً من مخالطة سائرالأجسام إياه ، وذلك أن كل ماء يحس له طعم أو رائحة ، فإنما يحس ذلك فيه من جوهر آخر قد خالطه ، فيظهر طعم ذلك الجوهر فيه ولونه ورائحته ، ولذلك ينسب ذلك الماء إلى ذلك الجوهر الذي خالطه ، فيسمى بالكبريتي أو بورقي أو قفري أو نطروني أوغير ذلك من الأسماء ، فما كان سليماً من هذه الخواص ، فإنه لا محالة يكون صافياً في لونه ، لذيذاً في ذوقه ، طيباً في رائحته ، ينفذ عن المعدة إلى الأعضاء نفوذاً سهلا. فأما ما غلبت عليه رائحة كريهة أوطعم رديء أو لون كدر ، فينبغي أن يجتنب.
وأقوى دلائل المياه المحمودة ، الدليل الذي ذكره بقراط ، وهو أن يبرد سريعاً. ومن الناس من يمتحن المياه بالوزن ، فيحكم لأخفها بأنه أجودها ، وهذه المحنة ليست بصحيحة إلا أن يجتمع معها الدلائل الاخر المحمودة ، أعني طيب الرائحة ، وعذوبة الطعم ، وصفاء اللون ، والنفوذ من المعدة سريعاً ، وأن يسخن سريعاً ويبرد سريعاً ، وأن يكون في ينبوعه في الصيف بارداً ، وفي الشتاء فاتراً.
والمياه المجتمعة من الأمطار في نقائع نظيفة هي مياه محمودة نافعة ، لأن الشمس قد طيبتها وأذهبت عنها كل افة كانت فيها وحللت أجزاءها.
فأما المياه التي تكون من ذوبان الثلج والجليد وما شابه ذلك ، فهي كلها رديئة ضارة ، وذلك أن وقت جمودها يتحلل كل ما كان فيها من جوهر رقيق لطيف ، ويبقى أغلظ جوهرها وأكثفه ، فلذلك ينبغي أن يجتنب.
وكذلك ما كان من المياه مجتمعاً في مواضع مستترة عن الشمس ، كثيرة التبن (١) والطين فإنها كلها رديئة.
__________________
(١) في «ش» : النتن.