الباب الرابع
في وصف العلاج من العرق المديني إذا تولّد في البدن.
ولأنّ العلم بما ينتفع به ـ وإن لم تدع إليه حاجة شديدة ـ حسن محمود ، رأيت أن أصف العلاج من العرق المدينّي ، وإن كان بقراط وجالينوس لم يذكراه.
وأنا أقول فيه ما قاله سورانورس ولاوبندس وهما إمامان من ائمة الاطباء ، فأمّا سورانوس فإنّه لم ير هذا العرق حيوانً وأنّه يتحرك ، بل رأى أنّه يتوهّم أنّه يتحرك وهو بالحقيقة غير متحرّك. فأمّا لاوبندس وغيره ممّن أتى بعده ، فإنّهم رأوا أنّه حيوان يتولّد في لحم العضل ، فأكثر تولّده يكون في السواعد والأعضاد والسوق والأفخاذ ، فأمّا في الصبيان فأّنه يتولّد مع ذلك أيضاً منهم في الظهر والصدر تحت الجلد.
وقد اتفق كلّهم في علاجه على أنه ينبغي أن ينطل (١) العضو الذي ظهر فيه بالماء الحار نطلاً دائماً حتى يخرج طرفه ، فإذا خرج سل سّلاً رفيقاً ، فإن لم يجب إلى الخروج شدّ في طرفه رصاصة بخيط ، وترك لتجذبه الرصاصة بثقلها فتحطه إلى أسفل فتسلّه شيئاً فشيئاً.
ويستعمل مع ذلك ـ أيضاً ـ إقعاد العليل في الماء الحار ، ويضمد الموضع بالأضمدة المحللة ، كالضماد ، المتّخذ من دقيق الشعير ، ودقيق الحنطة ، والحلبة ، والتين ، والبابونج ، وما أشبه ذلك. وتلزق عليه لزوقات محللة كاللزوق المنسوب إلى الغار والطرفاء ، وغير ذلك ممّا شابهه ، فإن انقطع العرق وتفتح موضعه ، شق عنه وعولج كما تعالج سائر الجراحات.
فقد أتيت على ما يحتاج إلى وصفه من علاج العرق المديني ، وسلكت في ذلك المسلك الذي سلكته في سائر هذا الكتاب ، فإنّي قد وصفت فيه أشياء كثيرة ، وأنا أرى أن الله ـ جلّ وعزّ ـ بمنّه وطوله وسعة رحمته ، سيغنيك (٢) بالعافيه ، فلا تحتاج إلى استعمال شيء منها ، على أنّي مع ذلك قد رجعت إلى أن مثلك لا يخرج إلى مثل هذا السفر ، بل
__________________
(١) نطل فلان نفسه نطلاً : إذا صبّ عليه منه شيئاً بعد شيء يتعالح به. «لسان العرب ـ نطل ـ ١١ : ٦٦٧».
(٢) في «ش» زيادة : كل شيء.