الباب الأول :
إعلم : أن العقل والنقل والفصل كشف أن المتشرف بالتكليف لا يخلو من إحاطة علم الله ـ جل جلاله ـ به ، وأنه كالأسير في قبضته ، والمشمول باتصال نعمته ، باستمرار وجوده وحياته وعافيته ، والمأمور بحفظ حرمة مقدس حضرته ، ولزوم الأدب لعظيم هيبته ، فكما أن الانسان إذا حضر بين يدي سلطان عظيم الشأن ، عميم الإحسان ، وتقيدت إرادته وحركاته وسكناته بلزوم الأدب مع ذلك السلطان ، حيث هو في حضرته ، ولا يكون معذورا إذا وقع منه شيء مخالف لإرادته ، ولا تهوين بحفظ حرمته ، فكذا ينبغي أن يكون العبد مع الله ـ جل جلاله ـ بل أعظم وأعظم وأعظم ، لأجل التفاوت العظيم بين الله ـ جل جلاله ـ رب الأرباب ومالك الأسباب ، وبين سلطان خلق من تراب ، ومن طين وماء مهين يؤول أمره إلى الخراب والفناء والذهاب.
فيكون سفر الإنسان لا يخلو عن امتثاله لأجل الله ـ جل جلاله ـ في أسفاره ، ويتخذه حامياً وخفيراً (١) في ساعات ليله ونهاره ، ولا أرى له أن يعزل الله ـ جل جلاله ـ عن ولايته عليه ، ويعتزل هو بنفسه عن الأدب بين يديه ، ويجعل الطبع أو الشهوات هي الولاة عليه ـ جل جلاله ـ وهذا مما أعتقد أن الإنسان يخاطر به مع مالك دنياه واخراه ، ويخرج عن حماه ، ويصير ضائعاً متلفاً بذلك لنفسه ولجميع ما وهبه وأعطاه.
ومتى اعتبر الإنسان آداب المنقول والأدعية والأوامر عن الله ـ جل جلاله ـ والرسول ، رأى أنه ما يخلو سفر من الأسفار إلا وله مدخل في العبادة والسعادة في دار القرار ، فهذا ما رأينا ـ بالله جل جلاله ـ التنبه عليه ، فمن أراد الاحتياط لاخرته اعتمد عليه ، ومن أراد أن يكون عند الطبع فيكون دركه وثوابه عليه.
__________________
(١) الخفير : المجير «الصحاح ـ خفر ـ ٢ : ٦٤٨».