الثانية. وهذا أمر نسبيّ ينقاد إلى سعي المستنبط واجتهاده ، فلربما تتوافر لديه جملة من القرائن والشواهد التي تعزز الثقة ببعض الرواة فيعتمد نتيجة ذلك على مروياته أو يكون العكس من ذلك فتطرح ، وإلى غير ذلك ممّا هو مذكور في محلّه.
ولا غرابة من ذلك ، فالكثير من الشواهد والأدلة القاطعة قد أظهرت جملة من الكذّابين والوضّاعين الذين تلاعبوا في الحديث حسب ما تقتضيه مصالح ساستهم وأولياء أمورهم خصوصا بعد الانحراف التاريخي الذي حصل بعد وفاة الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بل وقد حذّر القرآن وأعلن ذلك بصراحة ووضوح حيث قال الله تبارك وتعالى :
( وَما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشّاكِرِينَ ) (١).
ولعلّ أوّل من نبّه على هذا الأمر وعلى خطورته ، وعلى الحاجة الماسة إلى هذا العلم ـ أعني علم الرّجال ـ هو الرّسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم حيث قال : « ستكثر بعدي القالة عليّ » (٢).
وقد فصّل الكلام والبحث مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام حين سأله سليم بن قيس الهلاليّ الكوفيّ قائلا : إنّي سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذرّ شيئا من تفسير القرآن وأحاديث عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم غير ما في أيدي النّاس ، ثمّ سمعت منك تصديق ما سمعت منهم.
ورأيت في أيدي النّاس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث
__________________
(١) آل عمران : ١٤٤.
(٢) المعتبر ـ المقدّمة ـ : ١ / ٢٩.