الملك والملكوت بنظامها ، وكأن ألفاظها برطوباتها ، أنهار العلوم بعذوباتها ، وكأن معانيها بأفواجها بحار الحق بأمواجها ، وأيم الله ان طباعها من تنعيم وان مزاجها من تسنيم ، وان نسميها لمن جنان الرمضوت ، وان رحيقها لمن دفاق الملكوت.
فاستقبلتها القوى الروحية ، وبرزت اليها القوة العقلية ، ومدت اليها فطنة صوامع السر أعناقها ، من كوى الحواس وروزاة المدارك وشبابيك المشاعر ، وكادت حمامة النفس تطير من وكرها شغفا واهتزازا ، وتستطار الى عالمها شوقا وهزازا. ولعمري لقد ترويت ، ولكني لفرط ظمائي ما ارتويت :
شربت الحب كأسا
بعد كأس |
|
فما نفد الشراب
ولا رويت |
فلا زالت مراحمكم الجلية ، مدركة للطالبين ، بأضواء الاعطاف العلية ، ومروية للظامئين بجرع الالطاف الخفية والجلية.
ثم ان صورة مراتب الشوق والاخلاص التي هي وراء ما يتناهى بما لا يتناهى أظنها هي المنطبعة كما هي عليها في خاطر كم الاقدس الانور الذي هو لأسرار عوالم الوجود كمرآة مجلوة ، ولغوامض أفانين العلوم ومعضلاتها كمصفاة مصحوة.
وانكم لأنتم بمزيد فضلكم المؤملون لإمرار المخلص على حواشي الضمير المقدس المستنير ، عند صوالح الدعوات السانحات في منية الاستجابة ومظنة الاجابة بسط الله ظلالكم وخلد مجدكم وجلالكم ، والسلام على جنابكم الارفع الابهى ، وعلى من يلوذ ببابكم الاسمى ، ويعكف بفنائكم الاوسع الاسنى ، ورحمة الله وبركاته أبدا سرمدا (١).
وقد كانا معا موضع تقدير الشاه عباس واحترامه ، يسود بينهما الصفاء والود وقد ذكروا في كتب التراجم بعض القصص التي تمثل هذا الصفاء الذي كان يسود بينهما.
منها ما نقل أن السلطان شاه عباس الماضي ركب يوما الى بعض تنزهاته ، وكان الشيخان المذكوران أيضا في موكبه ، لأنه كان لا يفارقهما غالبا ، وكان سيدنا المبرور
__________________
(١) سلافة العصر ص ٤٧٨