ولكن هذا كان عائقا له عن الانتشار ، فإنّ تعقيده الفنّي ودقّته العلميّة أقصياه بعض الشيء عن منحى الحياة العمليّة ، وجعلاه مغلق التركيب ، عسر الفهم.
والتقنين النمساوي يرجع عهده إلى أوائل القرن التاسع عشر ، فقد ظهر في سنة ١٨١٢ عقب التقنين الفرنسي ، ولكنّه لم يتح له من النجاح ما اتيح لهذا التقنين ، لذلك بقي محدود الانتشار في اوربا حتّى غمرة التقنين الألماني ، وقد قام النمساويون بتنقيح تقنينهم في أول سنيّ الحرب العالميّة الاولى ، وظهر التنقيح في سنة ١٩١٦. فأعاد لهذا التقنين العتيق شيئا من الجدّة والمسايرة لروح العصر.
أمّا التقنين السويسري ـ تقنين الالتزامات والتقنين المدنيّ ـ فقد كان المنتظر أن يكون ـ وهو من عمل « فيك وهو بر » ـ عملا فقهيا ، فإذا به ذو صفة عمليّة بارزة ، ويجمع التقنين السويسري إلى الوضوح والبساطة الدقّة والتعمّق ، وإن كان خداعا في بعض المواطن فيما يتّسم به من وضوح ودقّة » (١).
ولكنّ المؤسف حقّا عند ما نرى الدكتور السنهوري يجعل الفقه الإسلامي المصدر الثالث للقانون المدنيّ بعد النصوص التشريعية والعرف (٢).
ويأمل في هامش تلك الصفحة أن تكون الشريعة الإسلامية هي الأساس الأوّل الذي يبتنى عليه التشريع المدني.
ويطالب بعد ذلك بالقيام بنهضة علميّة قويّة لدراسة الشريعة الإسلامية في ضوء القانون المقارن ، ويرجو أن يكون من وراء جعل الفقه الإسلامي مصدرا رسميا للقانون الجديد ما يعاون على قيام هذه النهضة.
ومع مطالبته بالدراسات الجادّة للشريعة الإسلاميّة نراه يقول : « إنّ كتب الفقه الإسلامي بالدرجة الثانية من الأهميّة ». مع علمه بأهميّتها ، ومدى تأثيرها على القانون المدني الخاص. ويكون ذلك في موارد لم تتعرض لها بقية القوانين الأخرى.
ويقول أيضا : « يجب أن يراعى في الأخذ بأحكام الفقه الإسلامي
__________________
(١) مجلة القانون والاقتصاد ١٢ : ٥٥٥ ـ ٥٥٩ نقلا عن الوسيط ١ : ٥٠ الهامش.
(٢) الوسيط ١ : ٤٨.