______________________________________________________
في ما بعد الاستثناء متعددا وكلاهما محذور ، وتحقيق المسألة في الأصول.
قوله : ( الاستثناء من الجنس جائز إجماعا ، ومن غيره على الأقوى ).
لا ريب أن الاستثناء من الجنس ، ومن غير الجنس واقع ، مثل قوله تعالى : ( لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) (١) ، ومثل ( لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً إِلاّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً ) (٢) ، وإنّما الخلاف في كونه حقيقة أو مجازا ، فذهب المصنف في كتب الأصول الى الثاني (٣) ، واختاره ابن الحاجب ، وهو اختيار المحققين (٤).
فإن كان مراد المصنف بالجواز وعدمه الحقيقة ، فعلى العدم لا يجوز استعماله أصلا فليس بجيد ، لأن كونه مجازا لا يقتضي منع استعماله ، مع أن وقوعه في القرآن وغيره لا دافع له. وإن كان مراده بالجواز الحقيقة وبعدمه المجاز فهو صحيح.
إلاّ أنّ قوله فيما بعد : ( ولو قال : له ألف درهم إلاّ ثوبا ، فإن منعنا المنقطع وجب الألف ) ينافي ذلك ، فإنّ كونه مجازا لا يقتضي إلغاءه ، لوجوب المصير الى المجاز مع وجود الصارف عن الحقيقة على أنّه يمكن رد هذا الى المتصل ، فإنّ المتبادر إخراج قيمة الثوب من الألف فيضمر في الاستثناء لفظة قيمة ، كما نص عليه ابن الحاجب حكاية عن علماء الأمصار ، والتحقيق : أنّ الاستثناء المنفصل جائز وواقع لكنه مجاز : والّذي يقتضيه النظر إنّه لا يصار اليه إلاّ عند تعذر كون الاستثناء متصلا ، لأنّ الاستثناء يقتضي الإخراج كما نصوا عليه ، فمتى أمكن استعمال أداته في معناها
__________________
(١) النساء : ٢٩.
(٢) الواقعة : ٢٦.
(٣) مبادئ الوصول الى علم الأصول : ١٣٣.
(٤) منهم الشيخ في المبسوط ٣ : ٩.