غايته انه في بعض المقامات قام الدليل على عدم لزوم الانبعاث عن ذلك البعث ، وفي بعض المقامات لم يقم ، فيكون المورد على ما هو عليه من حكم العقل بلزوم الانبعاث عن البعث.
فتحصل من جميع ما ذكرنا : ان الوجوب لا يستفاد من نفس الصيغة وضعا أو انصرافا ، بل انما يستفاد منها بضميمة حكم العقل. وبتقريب آخر : الوجوب ليس معناه لغة الا الثبوت ، ومنه قولهم : الواجب بالذات والواجب بالغير ، فان معنى كونه واجبا بالذات ، هو ان ثبوته يكون لنفسه ولمكان اقتضاء ذاته لا لعلة خارجية تقتضي الثبوت ، ومعنى كونه واجبا بالغير ، هو ثبوت علة وجوده ، أي ان علة وجوده قد تمت وثبتت. هذا في الواجبات التكوينية ، وقس عليه الواجبات التشريعية ، فان معنى كون الشيء واجبا شرعا هو ثبوت علة وجوده في عالم التشريع ، وليس علة وجوده الا البعث ، فالبعث يقتضى الوجود لو خلى وطبعه ولم يقم دليل على أن البعث لم يكن للترغيب الذي هو معنى الاستحباب ، وليكن هذا معنى قولهم : اطلاق الصيغة يقتضى الوجوب ، فتأمل في المقام جيدا.
في دلالة الصيغة على التعبدية والتوصلية.
اعلم : ان البحث في ذلك يقع في مقامين :
المقام الأول : فيما يقتضيه الأصلي اللفظي.
المقام الثاني : فيما يقتضيه الأصل العملي عند عدم الأصل اللفظي ، وتنقيح البحث عن المقام الأول يستدعى تقديم أمور :
الامر الأول :
في معنى التعبدية والتوصلية اما التعبدية : فهي عبارة عن الوظيفة التي شرعت لأجل ان يتعبد بها العبد لربه ويظهر عبوديته ، وهي المعبر عنها بالفارسية ( بپرستش ) ومعلوم : ان أهل كل نحلة لهم أفعال يظهرون بها عبوديتهم ، ويعبدون بها معبودهم حتى عبدة الصنم والشمس ، فان لهم حركات خاصة وأفعالا مخصوصة ، بها يتذللون لمعبودهم ، ويظهرون له العبودية. فالمراد من العبادة في شرعنا ، هو ما