ومجرد اشتمال الحج على الملاك وتفويته له لا يوجب العقاب ما لم يكن الحج واجبا ومتعلقا للامر ، حسبما تقدم منا مرارا ، من أن الملاكات غير لازمة التحصيل ولا يوجب فواتها شيئا ، وانما العبد ملزم عقلا بالخطابات الشرعية لا بملاكاتها.
قلت :
ما كنت أحب بعد البيان المتقدم موقعا لهذا الاشكال ، ولا مجال لهذا التوهم ، فان السير انما صار واجبا لرعاية الحج ، وامر به شرعا تحفظا على تركه ، ومع ذلك كيف يسئل عن أن العقاب على أي شيء يكون؟ مع وضوح ان العقاب يكون على ترك الحج حينئذ ، لان مناط حكم العقل باستحقاق العقاب على ترك الواجب الفعلي كترك الصلاة بعد الوقت ـ ولو لمكان امتناعها بسوء اختياره ـ بعينه متحقق في مثل المقام ، وما أنكرناه سابقا من أن الملاكات غير لازمة التحصيل انما هو لمكان ان الملاكات ليست مقدورة للمكلف ، ولا تكون من المسببات التوليدية لأفعاله ، وأين هذا من ترك الحج الذي يقوم به الملاك بسوء اختياره ، مع ايجاب الشارع السير عليه تحفظا عن ترك الحج وعدم فواته منه؟.
وبالجملة : لافرق في نظر العقل الذي هو الحاكم في هذا الباب ، بين ان يعجز المكلف نفسه عن الحج في أيام عرفه ، وبين ان يعجز نفسه عنه قبل ذلك بتركه السير ، فإنه في كلا المقامين يستحق العقاب على ترك الحج على نسق واحد ، فتأمل في المقام جيدا. هذا تمام الكلام في المقام الأول ، وهو باب المقدمات المفوتة.
واما الكلام في المقام الثاني :
وهو باب وجوب تعلم الاحكام. فحاصله : انه يظهر من الشيخ قده (١) في آخر مبحث الاشتغال عند التعرض لشرائط الأصول ، ادراج المقام في باب المقدمات المفوتة ، وجعله من صغريات باب القدرة ، ولكن الانصاف انه ليس الامر كذلك ، فان بين البابين بونا بعيدا ، إذ باب المقدمات المفوتة يرجع إلى مسألة القدرة على ما عرفت ، وباب وجوب التعلم أجنبي عن باب القدرة ، لان الجهل بالحكم لا يوجب
__________________
١ ـ راجع الرسائل. آخر مباحث البراءة ، خاتمة في ما يعتبر في العمل بالأصل. شرط البراءة. ص ٢٨٢.