لا يحتاج إلى توسيط حكم شرعي ، بل البحث في المقام نظير البحث عن مسألة الضد ومسألة اجتماع الأمر والنهي يتوقف على ثبوت امر أو نهى شرعي ، حتى تصل النوبة إلى حكم العقل بالملازمة كما في مسئلتنا ، أو اقتضاء النهى عن الضد كما في مسألة الضد ، أو جواز الاجتماع وعدمه كما في مسألة جواز اجتماع الأمر والنهي ، ولكن القوم لما لم يفردوا بابا للبحث عن الملازمات العقلية ـ مع أنه كان حقه ذلك أدرجوا المسألة وما شابهها في مباحث الألفاظ مع أنها ليست منها كما لا يخفى.
الامر الثاني :
ليس الوجوب المبحوث عنه في المقام بمعنى اللا بدية العقلية ، فان ذلك مما لا سبيل إلى انكاره إذ هو معنى المقدمية كما هو واضح ، وليس المراد من الوجوب أيضا الوجوب التبعي العرضي نظير وجوب استدبار الجدي عند وجوب استقبال القبلة ، حيث إن الاستدبار لم يكن واجبا ، وانما ينتسب الوجوب إليه بالعرض والمجاز لمكان الملازمة نظير اسناد الحركة إلى الجالس في السفينة ، فان هذا المعنى من الوجوب أيضا مما لا ينبغي انكاره ، بل هو يرجع إلى المعنى الأول من اللابدية ، وكذا ليس المراد من الوجوب المبحوث عنه في المقام الوجوب الاستقلالي الناشئ عن مبادئ مستقلة وإرادة متأصلة ، فان هذا المعنى مما لا يمكن الالتزام به ، وكيف يمكن ذلك مع أنه كثيرا ما تكون المقدمة مغفولا عنها ولا يلتفت إلى أصل مقدميتها ، بل ربما يقطع بعدمها ، مع أنها في الواقع تكون مقدمة ، وهذا المعنى من وجوبها يستدعى الالتفات إليها تفصيلا.
بل المراد من الوجوب في المقام : هو الوجوب القهري المتولد من ايجاب ذي المقدمة ، بحيث يريد المقدمة عند الالتفات إليها ولا يمكن ان لا يريدها ، فالمقدمة متعلقة لإرادة الآمر ، وليس اسناد الوجوب إليها بالعرض والمجاز بل يكون الاسناد على وجه الحقيقة ، ولكن ليست الإرادة عن مبادئ مستقلة ، بل يكون مقهورا في ارادتها بعد إرادة ذي المقدمة ولو على جهة الاجمال ، بحيث تتعلق الإرادة بالعنوان الكلي الذي يتوقف عليه ذو المقدمة وان لم يلتفت إلى المقدمات الخاصة ، ولكن المقدمات الخاصة تتصف بالوجوب حقيقة بعد انطباق العنوان عليها.