واما ما افاده صاحب الفصول من اعتبار نفس التوصل فهو أوضح فسادا ، فان اعتبار التوصل ان اخذ قيدا للوجوب ، فيلزم ان يكون وجود ذي المقدمة من شرائط وجوب المقدمة ، لان قيدية التوصل انما تحصل بحصول ذي المقدمة ، وهو كما ترى يكون أردء من طلب الحاصل ، إذ يلزم ان يتأخر الطلب عن وجود المقدمة وعن وجود ذيها المتأخر عن وجودها ، ولكن الظاهر أن لايكون هذا مراد صاحب الفصول ، لأنه يصرح بان التوصل يكون قيدا للواجب لا للوجوب ، فلا يرد عليه ما ذكرنا.
نعم يرد عليه : انه يلزم حينئذ ان يكون وجود ذي المقدمة من شرائط وجود المقدمة ، وان لم يكن من شرائط وجوبها ، الا انه لا فرق في الاستحالة ، ضرورة انه لا يعقل ان يكون وجود ذي المقدمة من شرائط وجود المقدمة لاستلزامه الدور ، فإنه يلزم ان يكون وجود كل من المقدمة وذي المقدمة متوقفا على الاخر.
هذا مضافا إلى أنه يلزمه القول بمقدمية الذات أيضا ، فان المقدمة ح تكون مركبة من أمرين : أحدهما الذات ، والاخر قيدية التوصل ، ولو على وجه دخول التقييد وخروج القيد ، فتكون الذات مقدمة لحصول المقدمة المركبة ، كما هو الشأن في جميع اجزاء المركب ، حيث يكون وجود كل جزء مقدمة لوجود المركب. مثلا لو كان الوضوء الموصل إلى الصلاة مقدمة أو السير الموصل إلى الحج مقدمة ، فذات الوضوء والسير يكون مقدمة للوضوء الموصل والسير الموصل ، وان اعتبر قيد الايصال فيه أيضا يلزم التسلسل. ولا محيص بالآخرة من أن ينتهى إلى ما يكون الذات مقدمة.
فإذا كان الامر كذلك ، فلتكن الذات من أول الامر مقدمة لذيها من دون اعتبار قيد التوصل.
وبالجملة : ان وصف التوصل للمقدمة لما لم يكن منوعا لها حال وجودها ، نظير الفصول بالنسبة إلى الأجناس ، بل يكون متأخر عن وجودها ، ويكون رتبة حصول الوصف رتبة وجود ذي المقدمة ، فلو اعتبر قيد التوصل يلزم ما ذكرنا من المحاذير المتقدمة.