أيضا يقدم ما لا بدل له ، لكن لا بذلك المناط ، بل بمناط ان ماله البدل لا يصلح ان يكون معجزا مولويا لما لا بدل له ، بخلاف العكس ـ على ما سيأتي توضيحه انشاء الله تعالى وبالجملة : المرجحات في أحد البابين أجنبية عن المرجحات في الباب الاخر.
( الجهة الرابعة )
هي ان التزاحم انما يكون باعتبار الشرائط المعتبرة في التكليف التي يمكن وضعها ورفعها في عالم التشريع ، فمثل العقل والبلوغ من الأمور التكوينية المعتبرة في التكليف لا يقع فيها التزاحم ، بل الذي يقع فيه التزاحم هو خصوص القدرة ، حيث إن للشارع تعجيز العبد وصرف قدرته إلى أحد الواجبين في عالم التشريع ، وان كان قادرا في عالم التكوين.
وان شئت قلت : ان التزاحم انما يكون في الشرائط التي ليس لها دخل في الملاك ، بل كانت من شرائط حسن الخطاب ، فمثل البلوغ والعقل اللذين لهما دخل في ثبوت الملاك ليسا موقعا للتزاحم ، وانما الذي يكون موقع التزاحم هو خصوص القدرة التي هي من شرائط حسن الخطاب ،
نعم : قد يتفق التزاحم في غير باب القدرة ، كما في بعض فروع الزكاة مثل ما إذا كان مالكا لخمس وعشرين من الإبل في ستة أشهر ، ثم ملك واحدة أخرى ، فمقتضى القاعدة الأولية هو انه عند انقضاء حول الخمس والعشرين يؤدى خمس شياه ( لكل خمس شاة ) وبعد انقضاء ستة أشهر الذي به يتم حول الستة والعشرين يؤدى ( بنت لبون ) زكاة الست والعشرين ، فيلزمه في كل ستة أشهر زكاة. ولكن بعد ما قام الدليل على أنه لا يزكى المال في عام مرتين ، يقع التزاحم بين حول النصاب الخمس والعشرين والست والعشرين ولا بد من سقوط ستة أشهر من حول أحدهما ، ولعله يتفق التزاحم في غير هذا المورد ، الا ان الغالب في باب التزاحم هو التزاحم في القدرة.
وعلى كل حال ، فقد ظهر لك الفرق بين باب التزاحم وباب التعارض ، وان بينهما بونا بعيدا ، بحيث لا يمكن ان يشتبه أحدهما بالآخر ، فلا محل بعد ذلك لان يقال : ان الأصل في الدليلين المتنافيين هو التزاحم ، أو التعارض ، إذ لم يكن مورد