يصلح لكل منهما حتى يبحث عما هو الأصل عند الشك.
ومن جميع ما ذكرنا ظهر أيضا ضعف ما في بعض الكلمات : من ارجاع باب التزاحم إلى تزاحم المقتضيين ، والتعارض إلى تعارض المقتضى واللا مقتضى ، وجعل مثل أكرم العلماء ولا تكرم الفساق من باب التزاحم لوجود المقتضى لكل منهما ، وليسا من باب التعارض. وذلك لان مجرد تزاحم المقتضيين لا يصحح الاندراج في باب التزاحم المقابل لباب التعارض ، والا لكان جميع موارد التعارض من باب التزاحم ، لكاشفية كل دليل عن ثبوت المقتضى لمؤداه ، فيلزم ان يكون جميع موارد تعارض الدليلين من تزاحم المقتضيين.
فالعبرة في التزاحم انما يكون بتزاحم الحكمين في مقام الفعلية لا تزاحم المقتضيين ، والا فقد يتزاحم المقتضيان ثبوتا في نفس الامر ولا محالة يقع الكسر والانكسار بينهما ، فينشأ الحكم على طبق أحدهما ان ترجح في نظره أحد المقتضيين ، والا فعلى كل منهما تخييرا. وليس ذلك من تزاحم الحكمين ، ولذا يعتبر في باب التزاحم ان يكون المكلف عالما بالحكم واصلا إليه ، لان الحكم الذي لم يصل إلى المكلف لا يمكن ان يكون مزاحما لغيره ، لان المزاحمة انما تنشأ من شاغلية كل من الحكمين عن الآخر واقتضاء صرف القدرة إليه ، والحكم الغير الواصل لايكون شاغلا لنفسه ، فكيف يكون شاغلا عن غيره؟ فالتزاحم لايكون الا بعد العلم والوصول. وهذا لا ربط له بتزاحم المقتضيين ، لان تزاحم المقتضيين انما يكون في عالم الثبوت ونفس الامر من دون دخل لعلم المكلف وجهله ، فارجاع باب التزاحم إلى تزاحم المقتضيين مما لا يستقيم ، وسيأتي مزيد توضيح لذلك انشاء الله تعالى في مبحث اجتماع الأمر والنهي.
المقام الثاني
الأول : تضاد المتعلقين ، بمعنى انه اجتمع المتعلقان في زمان واحد ، بحيث لا يمكن للمكلف فعلهما ، كما في الغريقين ، والإزالة والصلاة ، وأمثال ذلك مما اجتمع المتعلقان في زمان واحد.