الثالث :
ما كان انحفاظ الخطاب لا بالاطلاق والتقييد اللحاظي ، ولا بنتيجة الاطلاق والتقييد. وذلك بالنسبة إلى كل تقدير يقتضيه نفس الخطاب ، وهو الفعل أو الترك الذي يطالب به أو بنقيضه ، حيث يكون انحفاظ الخطاب في حالتي الفعل والترك بنفسه وباقتضاء هوية ذاته ، لا باطلاقه لحاظا أو نتيجة ، إذ لا يعقل الاطلاق والتقييد بالنسبة إلى تقديري فعل متعلق الخطاب وتركه ، بل يؤخذ المتعلق معرى عن حيثية فعله وتركه ويلاحظ نفس ذاته ، فيحمل عليه بالفعل ان كان الخطاب وجوبيا ، وبالترك ان كان الخطاب تحريميا. فيكون البعث نحو فعل المتعلق أو تركه نظير حمل الوجود أو العدم على شيء ، حيث إنه يؤخذ ذلك الشيء معرى عن الوجود والعدم ، فيحمل عليه الوجود تارة ، والعدم أخرى ، ويقال مثلا زيد موجود أو معدوم. ولا يعقل تقييد زيد بالوجود في حمل الوجود عليه ، ولا تقييده بالعدم ، ولا اطلاقه بالنسبة إلى الوجود والعدم ، للزوم حمل الشيء على نفسه في الأول ، واجتماع النقيضيين في الثاني ، وكلا المحذورين في الثالث.
وكذا يقال في المقام : انه لا يمكن تقييد المتعلق بالفعل في مقام البعث إليه ، ولا تقييده بالترك ، ولا اطلاقه بالنسبة إلى تقديري الفعل والترك ، لاستلزامه طلب الحاصل في الأول ، وطلب الجمع بين النقيضين في الثاني ، وكلا المحذورين في الثالث ، فلا بد من لحاظ ذات المتعلق مهملا معرى عن كلا تقديري الفعل والترك ، فيخاطب به بعثا أو زجرا. وليس فيه تقييد ولا اطلاق لا لحاظا ولا نتيجة ، ولكن مع ذلك يكون الخطاب محفوظا في كلتا حالتي الفعل والترك ما لم تتحقق الإطاعة أو العصيان ، فإنه عند ذلك يسقط الخطاب. وانحفاظ الخطاب في كلا التقديرين انما يكون باقتضاء ذاته ، لأنه بنفسه يقتضى فعل المتعلق وطرد تركه ، فيكون وجود الخطاب في الحالين لمكان نفسه ولأنه خطاب بالفعل أو الترك. وبذلك يظهر لك : ان الفرق بين هذا التقدير الذي يكون الخطاب محفوظا عنده ، وبين سائر التقادير التي يكون الخطاب محفوظا عندها أيضا من وجهين :
الأول : ان نسبة تلك التقادير إلى الخطاب نسبة العلة إلى معلولها ، بمعنى ان