ولكن لا يخفى عليك ما فيه :
اما أولا : فلان الفرد لايكون مقدمة لوجود الطبيعي ، بل هو عينه خارجا. ولو قيل : ان المحقق لم يدع مقدمية الفرد للطبيعة مطلقا ، بل ادعى ذلك في طرف الامر فقط ، بقرينة قوله ( انه بناء على وجوب المقدمة يلزم اجتماع الامر الغيري مع النهى النفسي ) فلو كان مدعاه مقدمية الفرد مطلقا ، لكان في طرف النهى أيضا نهى غيري ، فمن ذلك يعلم : ان ما قاله من المقدمية مقصور على طرف الامر ، وحينئذ لابد ان يكون مراده من الامر خصوص الامر المطلوب منه صرف الوجود ، لا الامر الانحلالي ، لأنه لافرق بين الأوامر الانحلالية والنواهي الانحلالية من حيث عدم مقدمية الفرد للطبيعة. والذي يمكن ، هو الفرق بين الأوامر المطلوب منها صرف الوجود ، كالصلاة ، وبين الأوامر والنواهي الانحلالية ، حيث إنه تصح دعوى كون الفرد مقدمة لتحقق صرف الوجود ، بحيث يكون الفرد من المحصلات والمحققات لصرف الوجود.
ففيه : ان ذلك وان كان توجيها لكلامه ، الا انه مع ذلك لا يستقيم ، بداهة ان الفرد في صرف الوجود أيضا لم يكن مقدمة ، بل هو عينه. نعم : لو قلنا بعدم وجود الكلي الطبيعي وانه انتزاعي صرف ، كان الفرد مقدمة لانتزاعه ، كما هو الشأن في جميع الأمور الانتزاعية ، حيث يكون منشأ الانتزاع مقدمة لانتزاعها ، ولكن لا المحقق قائل بعدم وجود الطبيعي ، ولا يمكن القول به. فدعوى مقدمية الفرد مما لا أساس لها مطلقا.
__________________
ص ٤٩.
« واما الوجوب المذكور أي وجوب المقدمة فلما كان هو أيضا تبعيا كاصل الخطاب به بمعنى انه لازم لأجل التوصل إلى ذي المقدمة ، وحكمه حكم الخطابات الأصلية التوصلية كانقاذ الغريق واطفاء الحريق وغسل الثوب النجس للصلاة ، فلم يحكم بكونه واجبا أصليا ولم يثبت له احكام الواجب الأصلي الذاتي ، فلا عقاب عليه لعدم ثبوت العقاب على الخطاب التبعي كما سنشير إليه ، ويجتمع مع الحرام لأجل كونه توصليا نظير الانقاذ والغسل الواجبين لاستخلاص النفس المحترمة والصلاة في الثوب الطاهر ولذلك يحصل المطلوب بالحرام أيضا ، بل بفعل الغير أيضا .. »