الامر الثاني :
ان المفهوم يتبع المنطوق في جميع القيود المعتبرة فيه ، وانما التفاوت بينهما بالسلب والايجاب ، فالموضوع في المفهوم هو الموضوع في المنطوق ، والمحمول فيه هو المحمول فيه. فلو قال : ان جائك زيد في يوم الجمعة راكبا فأكرمه ، كان مفهومه ان لم يجئك زيد في يوم الجمعة راكبا فلا تكرمه. ويكفي في انتفاء وجوب الاكرام انتفاء أحد القيود المأخوذة في المنطوق فينتفى وجوب الاكرام إذا جاء زيد في يوم الجمعة غير راكب.
والسر في ذلك هو ما عرفت : من أن المفهوم تابع للمنطوق موضوعا ومحمولا ونسبة ، سوى ان المنطوق قضية موجبة أو سالبة ، والمفهوم عكس ذلك ، أي يكون مفهوم الايجاب السلب ومفهوم السلب الايجاب ، ولازم ذلك هو انه لو كان المنطوق سالبة كلية كان مفهومه موجبة جزئية ، لان نقيض السالبة الكلية موجبة جزئية ، كما أن نقيض الموجة الكلية سالبة جزئية.
ومن هنا ربما يستشكل في الحكم بنجاسة الماء القليل ، بمفهوم قوله : إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شيء ، حيث إن المنطوق سالبة كلية ، لمكان إفادة النكرة في سياق النفي العموم ، فمفاد المنطوق هو عدم نجاسة الكر بكل نجاسة ، ويكون مفهومه هو انه إذا لم يبلغ الماء قدر كر ينجسه شيء ، والنكرة في سياق الاثبات لا تفيد العموم ، فأقصى ما يقتضيه المفهوم ، هو نجاسة الماء القليل في الجملة بنجاسة ما ، ولا يفيد نجاسته بجميع النجاسات ، هذا.
ولكن يمكن ان يقال : ان المباحث الفقهية الأصولية انما يبتنى على الاستظهارات العرفية من الأدلة ، بخلاف المباحث المنطقية ، فإنها تبتنى على البراهين العقلية ، وربما يكون بين نظر الفقيه ونظر المنطقي العموم من وجه. فقد يكون نقيض السالبة الكلية موجبة كلية بحسب ما يستظهر من الدليل ، مع أنه بنظر المنطقي يكون النقيض موجبة جزئية كما في المقام ، فان المستفاد من المنطوق في مثل قوله : إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شيء ، هو عموم السلب ، لا سلب العموم ، أي يكون الظاهر من قوله : لم ينجسه شيء ، لم ينجسه كل فرد فرد من أنواع النجاسات :