المعلوم : انه لا مجال للبرائة في ذلك ، لان المقام يكون من صغريات الشك في المحصل الذي لا تجرى فيه البراءة ، هذا كله إذا أردنا ان نستكشف الجامع من ناحية المعلول.
وأما إذا أردنا ان نستكشفه من ناحية العلل وملاكات الاحكام ففساده أوضح ، وذلك لعدم امكان تعلق التكليف بالملاكات ، لا بأنفسها ، ولا بما يكون مقيدا بها ، فلا تكون هي المسميات ، ولا ما هو مقيد بها.
وتوضيح ذلك يستدعى بسطا من الكلام في المايز ، بين باب الدواعي ، وبين باب المسببات التوليدية ، حتى يتضح ان الملاكات ، هل هي من قبيل الدواعي؟ أو من قبيل المسببات التوليدية؟ ونحن وان استقصينا الكلام في ذلك في الأصول العملية ، بل تكرر منا الكلام في ذلك ، الا انه لا باس بالإشارة الاجمالية إليه في المقام ، لما فيه من المناسبة ونحيل تفصيله إلى تلك المباحث.
فنقول : ان المقصود الأصلي والغرض الأولى للفاعل تارة : يكون هو بنفسه فعلا اختياريا للمكلف من دون نظر إلى ما يترتب على ذلك الفعل من الأثر ، بل إن نفس الفعل يكون مقصودا بالأصالة ، كما إذا كان مقصوده القيام أو القعود وأمثال ذلك.
وأخرى : يكون المقصود الأصلي والغرض الأولى هو الأثر المترتب على ذلك الفعل الاختياري ، بحيث يكون الفعل لمجرد المقدمية للوصول إلى ذلك الأثر. وهذا أيضا تارة : يكون الفعل الاختياري تمام العلة أو الجزء الأخير منها لحصول ذلك الأثر ، بحيث لا يتوسط بين الفعل وبين ذلك الأثر شيء اخر أصلا ، كالالقاء بالنسبة إلى الاحراق ، حيث إن اثر الاحراق يترتب على الالقاء في النار ترتب المعلول على علته ، من دون ان يتوسط بين الالقاء والاحراق شيء أصلا. وأخرى : يكون الفعل الاختياري مقدمة اعدادية لترتب ذلك الأثر المقصود ، بحيث يتوسط بين الفعل الاختياري وبين الأثر أمور اخر ، كالزرع فان الأثر المترتب على الزرع هو صيرورته سنبلا ، ومن المعلوم : ان الفعل الاختياري : من البذر والسعي والحرث ، ليس علة تامة لتحقق السنبل ، إذ يحتاج صيرورة الزرع سنبلا إلى مقدمات اخر متوسطة بين ذلك وبين الفعل الاختياري ، كاشراق الشمس ، ونزول الأمطار ،